ما يربطك بالوطن نكتة سمجة تتلخص في إما أنت حاكم مستبد، تدّعي الديموقراطية معتلياً ظهور الناس، تحكمهم، وتسلب ما لهم ليصير لك، وفي هذا دلالة على فكر مريض، وعقل لا يعقل، وضمير ما عرف الحياة بعد. وإما أنت محكوم ضعيف، تابع للمستبد، تأكل من فتات موائده. يقرر عنك وقراره فاسد، وله جيوش تسانده، وتحميه من الداخل ومن الخارج، ويستشهدون في سبيله لأنه حقاً الوطن، ويوزع الأوسمة على جثثهم، والشفقة على أطفالهم، والقليل القليل من ماديات تجعلهم يستمرون في برامج الشهادة والاستشهاد والتعتير في سبيل الحاكم – الوطن، وهل من فارق؟
هكذا تقوم الأوطان في العالم الثالث، وتقوم الديموقراطية من عالم وهم، حيث الأقوياء يغرّون الضعفاء في الانتماء الى المواطنة، فهي توحّد بين الحاكم الذي لا يأتي من الغيب، والمحكوم الذي “يختار” فيصير مسؤولاً عما وصل إليه الوطن بمن فيه.
وكالعادة، في مجتمعات منغلقة كمجتمعاتنا في مشرق عربي نقول إنه مهد الحضارات والأديان التي ساهمت في تخلفه عن حضارة غرب ننقل عنها ولا نساهم في إغنائها. فنحن من فاضت زبالته إلى وجهه ونحن من تفحص رأسه فوجد أنه بلا رأس، ونحن الشعب الذي تنهب حقوقه في كل شيء، فكيف يحق لنا بعد أن نتساءل لمَ نحن على هذه الدرجة من التخلّف والانحلال والفساد، على وشك السقوط في زوال لا رجوع منه؟
والخاص جداً الذي ما هو إلا مرآة ما ذكرته سابقاً عن حكايتي مع بلدية برمانا، فعذراً إذا ما أخبرتكم كيف اقترح رئيسها حلّ المشكلة بيني وبينها بعدما وصلت الشكوى الى مسؤول كبير في الحكومة طلب تحقيقاً في الأمر. فأرسل إليّ رئيس البلدية أحد الأعضاء عارضاً كتسوية مبلغ عشرين مليون ليرة لبنانية ثمن قطعة الأرض التي مساحتها ألف ومئة متر مربع مشجّرة صنوبراً، في منطقة برمانا، سرقتها البلدية، وقطعت أشجارها، وأخفتها في ليلة غير مقمرة، وما بلّغتني، فلا مرسوم قضى بمصادرتها أو بامتلاكها. وبتّ لا أعرف من الصادق أو الكاذب بين رئيس البلدية أو هذا العضو الذي ما تجرّأ أن يقول له ولَوْ يا ريّس، الارض تخصّ حياة أبو فاضل، كيف تعرض عليها مبلغاً كهذا؟
أما بعد، فسيتولّى رؤساء بلديات لبنان حل معضلة الزبالة فيه بتكليف من حكومة هاربة حتى من خيالها، واعدة البلديات بإعادة حقوق مالية كانت قد حجبتها عنها من سنين. وأمام المال، طار ما تبقى من عقول الرؤساء حتى قبل أن يقبضوا عليه. هذا خاص جداً ويختصر حكايتنا مع وطن مات بلا رجاء قيامة… وهذي حقيقة وما عداها من نسج الخيال.