IMLebanon

خاطفو العسكريين مقاولون لدى قطر

دخلت مفاوضات إطلاق العسكريين والدركيين المخطوفين النفق ذاته الذي سبق أن دخلته قضية مخطوفي اعزاز. حينذاك، قادت قطر المفاوضات، ماطلت، واختارت التوقيت الذي يناسبها لتوعز إلى وكلائها بإطلاق سراحهم. السيناريو القطري وضع موضع التنفيذ امس. وأولى بشائره، شريط فيديو تاه من قناة «الجزيرة» إلى صفحات «جبهة النصرة»

المشغّل واحد، من ريف اعزاز إلى جرود عرسال. سوء الادارة السياسية لمعركة عرسال قبل أسابيع وضع البلاد مرة جديدة، تحت رحمة جماعة إرهابية. والخطر هذه المرة يبلغ أضعاف ما كان عليه في اعزاز. عدد المخطوفين اكبر. وهم جميعاً من عسكريي الجيش ومن أفراد قوى الامن الداخلي.

أضف إلى ذلك أن الجريمة وقعت على الأراضي اللبنانية، ولا تزال مستمرة على الأراضي اللبنانية المحتلة من «جبهة النصرة» و«داعش» وحلفائهما، مع ما يعنيه ذلك من تعرية لـ«الدولة اللبنانية» وإظهار لعجزها. فحتى إن مارس سياسيون كثر نفاقهم المعتاد، لن يحجب صراخهم حقيقة أن 29 عسكرياً ودركياً مخطوفين لا يزالون قيد الاحتجاز لدى مجموعات «جبهة النصرة» و«داعش»، في جرود عرسال، داخل الحدود اللبنانية. وهذه حقيقة يعرفها جيداً المفاوضون، وأجهزة الأمن، وعدد كبير من السياسيين، وإن أعلنوا عكس ذلك.

جديد القضية هو «إخراج» الوكيل المفاوض، أي «هيئة علماء المسلمين»، ودخول «الأصيل»، أي إمارة قطر على خط المفاوضات. وهذه الخطوة حاولت الهيئة إظهارها على شكل «تعليق» لجهودها. لكن الحقيقة أن أمير «جبهة النصرة» في القلمون، أبو مالك التلّيّ، طرد أول من أمس موفد «الهيئة» من جرود عرسال، قائلاً: «أنتم غير مرحّب بكم هنا. أنتم تكذبون علينا، وتعدوننا بما لا تستطيعون تنفيذه. اذهب وقل لحكومتك إننا لسنا أبو ابراهيم تبع اعزاز» (أي قائد «لواء عاصفة الشمال» السوري المعارض، وخاطف الزوار اللبنانيين في اعزاز، ابراهيم الداديخي).

طردُ الهيئة من الجرود تزامن مع دخول قطر على خط التفاوض. ومن أول «إنجازاتها»، بعد إحالة «الهيئة» على التقاعد، «إقناع» قيادة جبهة النصرة في القلمون بالقبول بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، مفاوضاً غير مباشر يمثل الحكومة اللبنانية، على أن تمثل قطر الخاطفين. في هذا الوقت، لا يزال وزير الداخلية نهاد المشنوق ينفي دخول اللواء ابراهيم على الخط، لاقتناعه بضرورة كتمان كل ما له صلة بعملية التفاوض. وبحسب مصادر مواكبة للمفاوضات، فإن نموذج اعزاز، حيث استمر احتجاز المخطوفين نحو 18 شهراً مرشح للاستنساخ. وبرأي متابعين لعملية التفاوض، فإن قطر ليست مستعجلة لإنجاز الإفراج عن العسكريين. هي ستختار التوقيت المناسب لإطلاق سراحهم، تماماً كما اختارت لإقفال ملف الزوار المخطوفين توقيتاً سياسياً ارتبط برغبتها في فتح قناة اتصال مباشرة مع حزب الله، وتوقيتاً ميدانياً متصلاً بهجوم «داعش» على اعزاز في خريف عام 2013.

أمير «النصرة» لموفد

الهيئة: قل لحكومتكم إننا

لسنا أبو ابراهيم تبع اعزاز

ويوم أمس، سلّمت «جبهة النصرة» شريط فيديو يظهر 9 عسكريين ودركيين مخطوفين، إلى قناة «الجزيرة» القطرية. لكن لأسباب «غير معلومة»، تمنّعت «الجزيرة» عن بث الشريط، بحسب ما أكّدت مصادر معنية بالمفاوضات لـ«الأخبار». وبعدما تيقّن الخاطفون من أن «الجزيرة» ليست مستعجلة لبث التسجيل، نشروه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لهم والمقربة منهم. بقي التسجيل محمّلاً لبضعة دقائق، قبل أن يسارعوا إلى إزالته. وفي التسجيل، تكرر سيناريو اعزاز مجدداً، شكلاً ومضموناً. في الشكل، المخطوفون يدلون أمام الكاميرا بما لقنهم إياه خاطفوهم. أما في المضمون، فطالبوا عائلاتهم بالتحرك ضد حزب الله لمطالبته بالانسحاب من سوريا، «وإلا فستقتلنا جبهة النصرة التي تعاملنا جيداً».

حتى الآن، كل هذا الحراك محصور بمجموعات «جبهة النصرة» التي ظهر «مشغّلها» القطري. لكن الوجه الآخر من المشكلة، والأكثر تعقيداً، يتصل بتنظيم «داعش» الذي يحتجز عدداً من العسكريين والدركيين لا يقل عمّا هو لدى «النصرة». فحتى الآن، لم يعلن مفاوض جدي قدرته على لعب دور الوسيط بين الدولة اللبنانية و«داعش».

وكانت هيئة علماء المسلمين قد أعلنت أمس تعليق مبادرتها رسمياً، على لسان ممثلها الشيخ عدنان أمامة. وبعبارة: «لا يخفى على أحد أن ملفاً بهذا الحجم والتعقيد دونه صعوبات كثيرة وتحديات أكبر من قدرة الهيئة منفردة»، أعلنت «الهيئة» انسحابها من المفاوضات، بعد زيارتها رئيس الحكومة تمام سلام في السرايا الحكومية. أما السبب، فردته إلى الآتي: «لحين إنضاج ظروف أفضل وفسحاً في المجال لأطراف أخرى قد يكون لها قدرة أكبر على تسوية هذا الملف». وكان مشايخ «الهيئة» يريدون عقد اجتماع لهم مساء أمس، «لدراسة المرحلة السابقة والتباحث بما يمكن القيام به مستقبلاً»، إلا أنهم أرجأوه إلى ظهر اليوم.

على صعيد آخر، وفي خطوة غير واضحة الأهداف بعد، أصدرت «جبهة النصرة» في القلمون ليل أمس، بياناً بعنوان: «أرواحنا ودماؤنا… فداء لأهل الشام»، وجّهته إلى «المناطق التي يحاصرها العدو الظالم كـ(منطقة عرسال ـــ وادي بردى ـــ مدينة التل)»، قائلة: «إن سياستنا في هذه المناطق معلومة للجميع، ولا مكان لبثّ السموم والإشاعات الكاذبة، مهمتنا في هذه المناطق فقط الدعوة إلى الله وفضّ الخصومات». وأضاف البيان: «أهل السنّة في القلمون يعلمون أننا الجسد الذي يذب عنهم الرماح، وكنا الابن الذي يحترم أباه». قبل أن يختم بتجديد البيعة لأمير «جبهة النصرة» في سوريا، بالقول: «هنا نحن عناصر جبهة النصرة في القلمون، قادة وجنود، نجدد بيعتنا للشيخ الجولاني أمير تنظيم قاعدة الجهاد على أرض الشام».