توزع المشهد الامني امس شمالا وجنوبا، حيث اعاد مشهد قطع الطرق واحراق الدواليب ونصب الخيم في طرابلس، واطلاق الصواريخ، التي لم تبقَ مجهولة هذه المرة من محيط كفرشوبة، اللبنانيين بالذاكرة اشهراً الى الوراء، رغم بقاء المشهد منزوع الصاعق في ظل القرار السياسي الكبير محليا وخارجيا بمنع المس بالاستقرار او محاولة تجاوز الخط الاحمر لا سيما في زمن الفراغ الرئاسي.
فارتدادات عملية «الجرف الصامد» التي تشنها اسرائيل ضد قطاع غزة لتصفية «حماس» لم تغب عن المسرح الجنوبي اقله من زاوية عودة لغة الصواريخ، على نار التي فعلت فعلها في الواقع الداخلي البالغ الحساسية والتعقيدات، حيث الوضع الأقليمي الملتهب والخصب الارضية لكل راغب في توظيف الاحداث الجارية في خدمة مشاريعه واجندته الخاصة، مع دخول «الطابور الخامس» المنتظر على الخط مستغلا الواقع القائم لاحداث خضة ، تعيد خلط الاوراق.
ومع توسع رقعة التكهنات حول الاطراف المستفيدة، من اطلاق الصواريخ، حيث تتشعب التنظيمات وتتقاطع الاهداف من العراق الى سوريا وصولا الى غزة، في ضوء عدم اعلان اي منظمة مسؤوليتها عن العملية ، تمكنت شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي من وضع يدها على رأس الخيط بعد ساعات من العملية، بناء على معلومات من احد المخبرين حول نقل سيارة من نوع «رينو – رابيد» حمراء اللون، الجريح اللبناني حسين عزات عطوة قيده في بلدة الهبارية، الى مستشفى البيرة، حيث اثار شكوك الفريق الطبي نتيجة الارتباك وتضاربت المعلومات حول اسباب اصابته، حيث بينت التحقيقات لاحقا ان «الرابيد» عائدة للمدعو سمير حسين ابو قيس من نفس البلدة ،حيث بينت التحاليل ان بقع الدم التي عثر عليها في السيارة مطابقة لدم الجريح ، فتم توقيفهما حيث اعترفا بقيامهما برفقة شخصان آخران من الجنسية الفلسطينية يتبعان لحركة الجهاد الاسلامي بالعملية ، فيما اعترف عطوي بانتمائه للجماعة الاسلامية ،منكرا معرفته بالاسماء الكاملة للفلسطينيين المتواريين اذ اقتصرت معرفته على اسميهما الحركيين.
هذا التصعيد المفاجئ الذي خرق سكون الجبهة الجنوبية، وضعته مصادر أمنية لبنانية، في خانة «الخرق المضبوط»، حيث لا قرار من «الفصائل الفلسطينية» الفاعلة بتوتير الاجواء على الحدود، مؤكدة اصرار كل الاطراف على الالتزام مندرجات القرار 1701 في منطقة جنوب الليطاني، وهو امر تبلغته في اتصالات استمرت طوال يوم امس بين مسؤولين لبنانيين وفلسطينيين. وكانت الساعات الماضية شهدت اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى، تولت جزءا كبيرا منها السفارة الاميركية في عوكر ، بهدف منع اي خرق لاستدراج ردات فعل اسرائيلية، رغم ابداء ارتياحها لردات الفعل التي استوعبت الحادث «غير المنظم» والغرائزي الذي ينم عن ردات فعل ازاء ما يجري في الاراضي الفلسطينية.
غير ان المصادر نفسها طمأنت الى ان الوضع على الحدود ممسوك، والجيش اللبناني ينفذ انتشارا واسعا في منطقة جنوب الليطاني بمؤازرة قوات «اليونيفل» التي شددت وحداتها من رقابتها على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، مشيرة الى جهوزية القوى الامنية والعسكرية العالية، والتي ظهرت في سرعة القاء القبض على منفذي اطلاق الصواريخ، لقمع اي عمل مشبوه قد يجر الساحة اللبنانية الى ما لا تحمد عقباه، متوقفة عند دقة المرحلة وخطورتها وحساسية الوضع الجنوبي، مستبعدة نجاح الجماعات المتطرفة في احداث خرق كبير، لان لا مصلحة لاحد في توتير الاجواء او فتح الجبهة.
من جهتها، اكدت اوساط السفارة الفلسطينية في بيروت ، ان قرار المخيمات واضح لجهة عدم توريط لبنان، ادراكا لحساسية الوضع الداخلي، مشيرة الى تنسيق على اعلى المستويات مع الاجهزة اللبنانية من خلال التعاون والتكامل اللبناني وفلسطيني من اجل حفظ الامن.
مصادر سياسية اعتبرت ان احدى اهداف عملية اطلاق الصواريخ قد يكون تحويل انظار اسرائيل عن غزة واشغالها على الحدود لاضعافها وتشتيت قواها، الامر الذي يتطلب قرارا اقليميا لفتح الملف الجنوبي، لا يجرؤ أي طرف لبناني على اتخاذه راهنا، دون اسقاط احتمال ان تكون اسرائيل خلف حادثة اطلاق الصواريخ، انطلاقا من ان استهدافها من جنوب لبنان يخدم مصالحها، اذ ستظهر للغرب كضحية للارهاب الذي ينهال عليها من الداخل اي من قطاع غزة ومن الخارج عبر الحدود اللبنانية، او ان يحاول محور الممانعة استعمال الساحة الجنوبية كورقة ضغط ضد الغرب الحريص على استقرار الجبهة، معتبرة ان الحادثة قد تندرج في اطار محاولة المحور خلق توازن في المنطقة، مذكرة بكلام كبير مستشاري القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية الجنرال يحيى رحيم صفوي عن أن «قدرة بلاده ونفوذها امتدا ليصلا الى البحر المتوسط»، مشيراً الى «أن الخط الدفاعي لإيران موجود في جنوب لبنان»، خاصة بعد ميل الولايات المتحدة الاميركية نحو وجهة النظر السنية في الملف العراقي ومطالبتها بتنحي رئيس الوزراء نوري المالكي. واذ أكدت ان الحادثة تحمل دلالات خطيرة، مع اكتشاف ضلوع حركة الجهاد الاسلامي فيها، تساءلت عما اذا كان ما جرى تمهيد لتدفيع لبنان ثمن توسيع العمليات العسكرية البرية الاسرائيلية ضد غزة.