خروج المسلحين أو المعركة الشاملة
الجيش يريد إفراجاً غير مشروط عن جنوده، والمسلحون يصرّون على «التبادل»
تجددت الهدنة في عرسال، ثم تجدد اختراقها. أراد الوسطاء لها أن تفتح باب الإفراج عن جنود الجيش وأفراد الأمن الداخلي المخطوفين. لكن الجماعات الإرهابية تصرّ على أن تفرج الدولة اللنبانية عن موقوفها «الداعشي» عماد جمعة. الجيش ينتظر انتهاء مهلة الوسطاء مساء اليوم ليقرر المرحلة الثانية من سير المعركة
تجدّدت الهدنة في عرسال عند السابعة من مساء أمس. كان من المنتظر أن تمتد حتى السابعة من مساء اليوم. فالجيش منح الوسطاء هذه الهدنة، مؤكداً أنه سيرد على مصادر النيران التي تستهدف قواته. والوسطاء، من هيئة علماء المسلمين، طلبوا الهدنة، مؤكدين أن في استطاعتهم تحرير جنود الجيش المخطوفين في عرسال. يوم أمس، كان يوم مهزلة في هذا المجال.
صحيح أنه حمل بشرى تحرير ثلاثة من أفراد قوى الأمن الداخلي المخطوفين في عرسال (رامي جمال، طانوس مراد وخالد صلح)، لكن ما رُوي عن كيفية إدارة السرايا الحكومية للملف شكّل فضيحة، بكل ما للكلمة من معنى. استدرج الخاطفون الدولة اللبنانية إلى «فَرز» أفراد الأمن الداخلي وفقاً لانتمائهم الطائفي. اقترحوا في البداية تحرير «3 دركيين مسيحيين».
لكن ثمة من في جانب الحكومة اللبنانية من تدخل وطلب تحرير دركي مسيحي وآخر درزي وثالث مسيحي، على حد قول مصادر عرسالية وأخرى قريبة من الوسطاء. فهل صحيح ما تردد أمس عن أن الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، اللواء محمد خير، المكلف بإدارة ملف التفاوض، تدخّل باسم رئيس الحكومة تمام سلام، وطلب أن تكون طوائف المحررين وفق النتيجة التي ظهرت أمس؟ وهل صحيح أن كل هدف خير كان منح الرئيس سلام «إنجازاً سنياً»؟
استدرج المسلحونالدولة لفرز المخطوفين بناءً على انتمائهم الطائفي
بهذه الخفّة، تدير السلطة السياسية ملف التفاوض مع مجموعة إرهابية تهدد بتغيير خريطة المشرق العربي، فيما الجيش ينتظر كشف مصير الجنود المخطوفين والمفقودين. وهو إن أفسح في المجال أمام تمديد الهدنة، فلأنه يراهن على تجنيب عرسال معركة قاسية، وهي التي تعج بالمدنيين من أهلها والنازحين إليها.
ويوم أمس، تعرّض جنود الجيش في محيط عرسال لاعتداءات من المسلحين، ما دفع القوى العسكرية المنتشرة في الميدان إلى الرد بشدة على مصادر النيران، وهو ما أخّر قليلاً إخراج وفد هيئة علماء المسلمين الذي تعرّض لإطلاق نار في عرسال، فجر أمس. وقد نقل الشيخ سالم الرافعي والشيخ جلال كلش والمحامي نبيل الحلبي للعلاج من عرسال إلى زحلة، ثم إلى الشمال. وبعد إخراجهم من عرسال، تم تسليم رجال الأمن الداخلي الثلاثة المحررين إلى استخبارات الجيش عند مدخل البلدة. وبحسب مصادر عسكرية، فإن الجيش سينتظر انقضاء المهلة الممنوحة للهيئة (السابعة من مساء اليوم) ليقرر ملامح المرحلة المقبلة، بناءً على نتائج تحركات الهيئة. وتطلب قيادة الجيش تحرير العسكريين ورجال الأمن الداخلي المفقودين والمخطوفين، وبدء انسحاب المسلحين من عرسال إلى جرود القلمون، من دون قيد أو شرط.
لكن المسلحين يريدون أن يكون لتحرير جنود الجيش وأفراد الأمن الداخلي ثمن، وهو إفراج الدولة اللبنانية عن الموقوف عماد جمعة (قائد لواء فجر الإسلام التابع لـ«داعش»). كما يرفضون الانسحاب إلى الأراضي السورية، بل يصرون على العودة إلى حيث كانوا قبل بدء المعارك في عرسال.
حتى مساء أمس، لم تكن نتائج التفاوض تبشّر بالخير. فسرعان ما سقطت الهدنة ليل أمس برصاص المسلحين الذين استهدفوا مواقع للجيش في جرود عرسال، فيما ترددت معلومات عن توتر بين مقاتلي «داعش» ومسلّحي «جبهة النصرة». ورغم أهمية الإفراج عن الدركيين الثلاثة، فإن هذه الخطوة تبقى دون التوقعات، لأكثر من سبب: أولاً، ضآلة العدد (3 من أصل 44 عسكرياً ودركياً)؛ ثانياً، اقتصار التحرير على دركيين مخطوفين وموجودين في عهدة الشيخ العرسالي مصطفى الحجيري (أبو طاقية)، وعدم تحرير أي من جنود الجيش المخطوفين من قبل «داعش» و«النصرة».
وزير الداخلية نهاد المشنوق أكّد لـ«الأخبار» أن «الأمور متروكة اليوم للمفاوضات التي تتولاها هيئة العلماء المسلمين»، كاشفاً عن معلومات كانت تشير يوم أمس إلى «إمكانية إطلاق عناصر جديدة من قوى الأمن، استكمالاً لخطوة تحرير 3 عناصر أمنية». ورأى المشنوق أنه «إذا لم تكُن هناك نيّة عند المجموعات المسلّحة في الاستمرار، فإن الأحداث لن تتطور»، مشيراً إلى أن «الروايات التي يتمّ تناقلها تؤكد أن خيارهم هو الاستمرار في المعارك، لكن لا يمكن الجزم بأن هذا سيحصل، وأنه في اليومين المقبلين ستتضح أمامنا الصورة ما إذا كنا أمام حلحلة أو استمرار المعركة». وقال إن «المجموعات المسلّحة شعرت بأنها ورّطت السوريين، ولمست أن المعركة مع الجيش ليست سهلة كما كانت تعتقد». وفي حين أكد المشنوق أن الجيش يستطيع خوض هذه المعركة، لفت إلى أن «المشكلة الوحيدة التي يواجهها هي المدنيون والنازحون الموجودون داخل البلدة». وأشار إلى أنه «في حال عدم انسحاب المسلحين، فإننا سنكون أمام خيار فتح ممرات آمنة لخروج المدنيين». أما الحل الوحيد أمام الجيش بحسب المشنوق فهو «ضرب طوق محكم حول عرسال وعزلها ومحاصرة المسلحين داخلها». وأكد المشنوق رفض الحكومة «التعاون بين الجيشين اللبناني والسوري، وهو ما سعى إليه النظام السوري منذ تشكيل الحكومة »، مشيراً إلى أن «البيان الوزاري واضح، ونحن لن نرضى بأن نضع أنفسنا في مواجهة كل المعارضة السورية».
بري: معالجة النزوح
من جهته، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء أمس أمام زواره إنه يتبنى «مئة في المئة» كلام الرئيس سلام على أثر الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، ولاحظ أنه «يعبّر عن موقف مجلس النواب أيضاً». إلا أنه رأى أن «لا داعي لعقد جلسة تضامنية للمجلس مع الجيش لأن رئيس الحكومة عبّر عن رأينا. وهو ما أبلغته إليه. لكن لا بد من التحرك لدعم الجيش والتضامن معه، وهو ما قلته أخيراً للسفراء الأميركي والسعودي والاتحاد الاوروبي بأن عليهم دعم الجيش اللبناني. قلت لهم لا أعرف ماذا يحتاج إليه الجيش، لكن يجب تلبية كل ما يقدمه قائده من لوائح عن حاجات المؤسسة العسكرية من مساعدات مالية وعسكرية ولوجستية. ويقتضي أن لا يتذرع أحد بأنه لا يمكن تزويد الجيش بسلاح متطور بسبب إسرائيل. نحن اليوم في معركة أخرى مع الإرهاب».
ونقل بري عن السفراء الثلاثة تأكيدهم أن حكوماتهم جاهزة لتزويد الجيش بما يتطلبه. إلا أنه لاحظ أن الموقف الأخير للعاهل السعودي الملك عبد الله من دعم الجيش أتى نتيجة اتصالات أجريت بالمملكة لاستعجال تنفيذ الهبة السعودية بثلاثة مليارات دولار للجيش، وقال بري إن موقفاً فرنسياً صدر في الإطار نفسه.
ووصف المواقف الأخيرة للرئيس سعد الحريري من المؤسسة العسكرية بأنها جيدة، وكذلك تيار المستقبل، وقال: «ما يهمني في هذه المواقف هو دعم الجيش فقط. أما مَن يتهم مَن فهذا أمر لا يهمني في الوقت الحاضر. الأولوية الآن للوقوف الى جانب الجيش».
ووصف موقف بعض نواب الشمال مما اعتبر نشازاً عن الإجماع الوطني على تأييد الجيش بأنه أقرب «الى المزايدات والتنكيل السياسي».
وقال رئيس المجلس: «لا علاقة للجيش بالتسويات السياسية الجاري الحديث عنها. بل هو يعرف ما يجب القيام به، وهو يقوم به. أما إذا نجحت الوساطات من خلال تسوية تقضي بإخراج المسلحين من عرسال وتحرير العسكريين، فهذا أمر جيد لتجنيب أهالي عرسال كلفة المواجهة. لكن من الآن أقول، حالما تنتهي المعركة يجب الالتفات فوراً الى ملف النازحين السوريين. لم يعد في الإمكان بعد اليوم ـــ وبعد كل ما شهدناه في عرسال ـــ القبول باستمرار النزوح السوري على هذه الحال، وخصوصاً بعدما تبين أن مخيمات النازحين كانت بيئة حاضنة للمسلحين الإرهابيين. وسبق أن نبهت مراراً ولم يُصغ إليّ حيال خطورة تسيّب مخيمات النزوح. أضف إن السلطات السورية أعلنت استعدادها للتعاون معنا على معالجة هذا الملف، علماً بأن هناك مناطق آمنة كثيرة في سوريا يستطيع النازحون اللجوء إليها».
عبد الله يتصل بالرئيس السابق
على صعيد آخر، وبعد صمت سعودي لافت طوال 3 أيام، أجرى الملك السعودي اتصالاً هاتفياً بالرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، أبلغه فيه، بحسب مكتب سليمان، دعم السعودية للجيش في معركته، ونيته تسريع تسليم 3 مليارات دولار أميركي إلى فرنسا، التزاماً بتعهد الرياض دفع هذا المبلغ لشراء أسلحة ومعدات عسكرية فرنسية لحساب الجيش اللبناني. وأبلغ سليمان هذا الموقف لقائد الجيش العماد جان قهوجي في وزارة الدفاع في اليرزة، بحضور وزير الدفاع سمير مقبل.
وكانت كتلة «المستقبل» النيابية قد عقدت أمس اجتماعها الأسبوعي، وحمّلت خلاله حزب الله مسؤولية جزء كبير ممّا يحصل في عرسال، وطالبته بالانسحاب من سوريا. وأكّدت الكتلة في بيانها أن «على الجيش استعادة السيطرة على عرسال ومحيطها».
وأشارت مصادر مستقبلية إلى «حصول نقاش طويل في الكتلة أمس، انتصر بعده الرأي الذي يؤكّد دعم الجيش بالمطلق في معركته مع المجموعات المسلّحة، وإذا كان هناك اعتراضات على بعض التصرفات تناقش مباشرة مع قيادة المؤسسة العسكرية، بعيداً عن الإعلام ومن دون مبالغة». ولفتت المصادر إلى أن «كلمة الرئيس سعد الحريري الأخيرة كانت بمثابة خريطة طريق، رسم فيها شكل التعاطي مع معركة الجيش».
نفي حزب الله
من جهة أخرى، أصدر حزب الله بياناً أشاد فيه بموقف الحكومة اللبنانية الداعم للجيش في حربه على الإرهاب. وأكّد الحزب أن قتال القوى التكفيرية في عرسال ومحيطها هو واجب حصري للجيش اللبناني، نافياً تدخله في سير المعارك الدائرة في تلك المنطقة.
أمنياً، تحدّثت مصادر ميدانية عن مقتل الإرهابي «أبو حسن الحمصي»، أحد المسؤولين عن تفخيخ سيارات وإرسالها للتفجير في لبنان العام الماضي. وقالت المصادر إن الحمصي قتل في اشتباكات بين الجيش اللبناني والمجموعات التابعة لداعش و«النصرة» في جرود عرسال.