أراد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أن يكون خطابه فلسطينياً بكامله في مناسبة «يوم القدس» العالمي. لا غرابةَ في ذلك، فالمناسبةُ تفرض نفسها، وقد شكّل تزامنها هذه السنة مع العدوان على غزة، مدخلاً ليدلي «حزب الله» بموقفه ممّا يحصل.
ظهورُ نصرالله علناً أمام الجمهور، ووقوفه نحو ساعة خطيباً بين الناس، ليس حدثاً عرضياً. هو رسالة إلى إسرائيل أولاً، أرادت من خلالها المقاومة القول إنّ التهديد الامني لم يعد مخيفاً، وإنّ اسرائيل الغارقة في وحول غزة والمتورّطة في الضفة الغربية أضعف من أن تغتال شخصيةً بوزن «السيّد».
في المضمون جاء الخطابُ متوقَعاً من ناحية الرؤية والموقف والزاوية التي ينطلق منها نصرالله في مقاربة النزاع.
المقاومة اللبنانية التي خاضَت حروباً مشابهة للمعركة مع الاحتلال في فلسطين اليوم، تعرف طبيعة الحرب على غزّة، وتعتبر نفسها جزءاً من المقاومة والمحور المعني مباشرةً بالنزاع بعيداً من «المزايدات» والمنافسات.
إنطلق نصرالله من زاوية تاريخية، ليؤسِّس الخطاب على كل المساعي المبذولة من أجل تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء حق العودة. وبنَى على صمود المقاومة الفلسطينية وقدرتها على فرض الشروط ليعتبر ما يحصل اليوم تحوّلاً كبيراً يُشبه التحوّل الاستراتيجي في النزاع مع العدوّ الذي ارتسم بعد حرب تموز 2006.
في العمق، هذه جولةٌ من جولات النزاع مع اسرائيل. و»محورُ المقاومة» الذي يُراكِم الانجازات والانتصارات بالنقاط على مستوى الاقليم، ينظر الى المعركة في فلسطين بوصفها جزءاً من المعركة على مستوى المنطقة. من هنا كانت اللهجة القاسية بحق بعض العرب نظراً إلى موقفهم ممّا تشهده غزّة. هذه اللهجة تعكس طبيعة الانقسام الاقليمي والاصطفاف القائم في المنطقة على فلسطين وحولها والموقف من قضيتها.
قد تكون الاشارة الى سوريا وأهميّة دورها في إسناد القضية الفلسطينية، والدفاع علناً عن «حماس» ورفض اللهجة التي تتعرَّض لها، مدخلاً لقيام «حزب الله» بمبادرةٍ لتقريب وجهات النظر بين سوريا وقيادة الحركة بناءً على جملة تطوّرات حصلت في العامين الأخيرين.
وفي هذا السياق، تتحدث معلوماتٌ عن زيارة موفدين من «حماس» لطهران واتصالات تجرى على خط ترتيب الاوضاع وإعادة توحيد عناصر «محور المقاومة» في سياق رؤية سياسية واستراتيجية لطبيعة ما يشهده الاقليم من تطورات.
وفي المعلومات أنّ التوجه يقضي بتغيير بعض الوجوه القيادية، وإنجاز تقارب تدريجي بين الطرفين، خصوصاً أنَّ العلاقة مع «العسكر» في «حماس»، لم تتأثّر بفعل القرارات السياسية التي اتّخذتها قيادة خالد مشعل.
من الواضح أنّ «حزب الله» يعتبر المعركة في فلسطين معركته، وتأكيد أمينه العام أنّه يُراقب ويتابع لا يعكس حجم انخراط المقاومة اللبنانية في المعركة الدائرة في فلسطين. المُراقبة والمتابعة هما ما ينبغي أن يعرفه الناس وأن يمرّ في الاعلام، إلّا أنّ المطّلعين على حقيقة الامور والفلسطينيين انفسهم يدركون طبيعةَ الدور القيادي للحزب في إدارة هذه المعركة سياسياً وعسكرياً.
الفلسطينيون مرتاحون في الميدان، و»حزب الله» لن يتدخّل ولا يحتاج للتدخّل في هذه المواجهة. الحدود الجنوبية هادئة ولا توحي بأيّ شيء غير عادي او استثنائي. الجهود التي بُذلت في لبنان وأفضت الى «توازن الرعب» الذي فرضته المقاومة على اسرائيل، هو نفسه ما نشاهده في أداء المقاومة الفلسطينية. المحور الذي يعمل ويراكم منذ ثلاثين عاماً، يحصد بالنقاط نتائج هذا الجهد وتلك المراكمة.
عندما أُعلن عن تمديد زمن «التفاوض الاميركي – الايراني» حول الملف النووي، قال أحد المعلّقين السياسيّين: «أميركا لم تعد تهمّها اسرائيل وباتت تدرك أنّ المنطقة تعيش الزمنَ الايراني».