ترى أوساط سياسية مراقبة ومتابعة انه إذا لم يتم انتخاب رئيس الجمهورية قبل 20 آب، موعد دعوة الهيئات الانتخابية لانتخاب النواب، فإن خطر الفراغ البرلماني بعد الشغور الرئاسي يكون داهماً، وان من خطط لهذا الشغور سيحاول إكمال تنفيذ مخططه لوضع لبنان أمام الفراغ الشامل وذلك برفض إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين كونه مرفوضاً، ورفض التمديد لمجلس النواب مرة اخرى بحجة ان التمديد غير شرعي بعد رفض التمديد للرئيس ميشال سليمان.
وعندما ينجح معطلو الانتخابات الرئاسية ومعطلو اجراء انتخابات نيابية او التمديد لمجلس النواب لا يبقى سوى تفجير الحكومة من الداخل لتكتمل حلقة الفراغ الشامل. فهل هذا ما يريده النواب المعطلون ولا سيما منهم المسيحيون والموارنة تحديداً؟ أفلا يعرفون الى اين يذهبون بلبنان عندما يحل الفراغ الشامل وتعم الفوضى؟
لقد وضعت قوى 8 آذار منذ عام 2005 لبنان أمام خيارين: إما تشكيل حكومة وحدة وطنية تعطل اتخاذ القرارات التي لا ترضى بها او تعطل تنفيذها اذا صدرت واما يكون الفراغ الحكومي، واما انتخاب رئيس للجمهورية من خارج قوى 14 آذار رغم انها تشكل اكثرية او لا انتخاب، واما قانون انتخاب يضمن فوز قوى 8 آذار بأكثرية المقاعد والا فلا قانون ولا انتخابات نيابية، ولكي تبقى يد هذه القوى ممسكة بمصير الحكومات وتتحكم بقراراتها، فإنها رفضت تشكيلها من مستقلين ولو للاشراف على الانتخابات النيابية حرصاً على حريتها ونزاهتها. وهو ما فعلته عند تشكيل الحكومة الحالية اذ جعلت ازمة التشكيل تستمر 11 شهراً لتصل الى فرض حكومة “وحدة وطنية” والتنازل لهذه الغاية عن حقائب مهمة تسهيلاً لتشكيلها شرط ان تبقى ممسكة بصاعق تفجيرها من داخل في الوقت المناسب.
لقد نجح الثنائي عون – نصرالله في إحداث شغور رئاسي، فهل ينجح في إحداث فراغ مجلسي بافتعال خلاف بين من يوافق على اجراء انتخابات نيابية على اساس قانون الستين ومن يرفض ذلك، وبين من يوافق على التمديد مرة اخرى لمجلس النواب لتحاشي الفراغ المجلسي ومن لا يوافق، وهذا من شأنه ان يزيد اغراق لبنان في وضعه الشاذ ولا خلاص من ذلك إلا بصحوة ضمير عند النواب لا سيما عند المسيحيين وتحديدا الموارنة فيتفقوا على منع الفراغ وإن لم يتفقوا على شخص الرئيس ولا على قانون للانتخاب لأن لا شيء اسوأ من الفراغ واخطر؟
إن قوى سياسية اسلامية تحمّل بعض المسيحيين وتحديداً بعض الموارنة مسؤولية الشغور الرئاسي بسبب خلافاتهم واصرارهم على ان يكون الرئيس قوياً كما الرئيس الشيعي والرئيس السني. ولكن ما العمل اذا لم يتفق الزعماء الموارنة على مرشح واحد ولا حتى على مرشح مستقل ما يجعل “حزب الله” يتذرع بعدم انسحاب جعجع وعون من الترشيح للاتفاق على مرشح توافقي، وعندما ابدى جعجع استعداده للانسحاب لم يطلب “حزب الله” من عون الانسحاب ايضا بل ترك الامر له لأنه يعلم ان شعار عون منذ الانتخابات الرئاسية الماضية هو “أنا أو لا أحد”.
لذا فإن معطلي الانتخابات الرئاسية سيكونون مسؤولين عن تعطيل الانتخابات النيابية والتمديد لمجلس النواب بغية ادخال لبنان في دائرة الفراغ الشامل الذي لا خروج منه إلا بتعديل الدستور، وهو تعديل قد لا يكون لمصلحة المسيحيين اذا ما فقدوا حقهم في المناصفة.
يقول العميد الراحل ريمون اده في حديث صحافي (شباط 1993): لقد اعترفت بقانونية تعيين العماد ميشال عون خوفا من الفراغ رغم انه ارتكب سلسلة اخطاء، ففور اعلان حكومته استقال الضباط المسلمون الثلاثة منها وكان عليه ان يجد سريعاً بديلاً لهم من العسكريين او المدنيين لأن البلد لا يمكن ان يحكم بالنصف المسيحي من حكومة كما لا يجوز ان يحكم بالنصف المسلم من حكومة”. لقد كان العميد اده يخشى الفراغ في اي سلطة من السلطات ومن اجل ذلك لم يلجأ الى سلاح تعطيل الجلسات في الاستحقاقات كما يفعل عدد من نواب اليوم تشفياً وانتقاماً وعدم شعور بالمسؤولية، وكان يحضر الجلسات وينتخب احياناً رئيساً حتى وإن لم يكن قابلا به خوفاً من الفراغ.
إن مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي تقع على النواب المسيحيين اولا وتحديداً على الموارنة اذا لم يتفقوا على مرشح منهم او على مرشح يحظى بتأييد الاكثرية النيابية المطلوبة.
إن انتخاب رئيس للجمهورية هو المدخل لحل كل المشكلات بما فيها مشكلة اجراء انتخابات نيابية على اساس قانون عادل ومتوازن يحقق التمثيل السياسي الصحيح لشتى فئات الشعب واجياله وفي ظل رئيس جديد يجمع ولا يفرق خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة. فهل للمعطلين آذان صاغية ليسمعوا ويعوا؟