لم يخطئ النائب وليد جنبلاط عندما قال ما معناه إنّ البلاد تنتظر «المخلّص». وفي الحقيقة، تواجه البلاد جملة مخاطر لم تشهد مثيلاً لها منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية، والخفّة التي تُجرى مقاربة الامور من خلالها لم تعد تُحتمل.
إضافة الى الشغور الرئاسي والمسؤوليات المترتبة على القوى السياسية وحكومة الرئيس تمام سلام، ثمّة ألغام وقنابل موقوتة وصواعق تهدّد الصيغة والكيان، ويتعامل معها بعض الافرقاء بشيء من الصبيانيّة والكيديّة وعدم الشعور بالمسؤولية التاريخية والوطنية.
البلاد بلا رئيسٍ للجمهورية، ومعظم المواقع والمراكز الاساسية معطّلة ومشلولة، والمؤسسات الامنية تتعرّض لضغطٍ هائل من القوى السياسية الهائل، وتُرمى على كاهل الجيش اللبناني اعباء لا يستطيع جيشٌ في العالم تحملها. وعلى رغم ذلك نجد بعض اللبنانيين منصرفين الى الصغائر والمكابرة وعدم الاعتراف بالواقع والوقائع التي دخلوا فيها، وأدخلوا البلادَ معهم في لعبةٍ بات من المفترض أن تنتهي.
نموذجٌ بسيط للخفة التي يجري تعميمها على كل شيء، البيان الذي أصدرته الأمانة العامة لقوى 14 آذار في خصوص الناخبين السوريين على الاراضي اللبنانية، حيث إعتبر البيان أنّ هؤلاء جميعهم ممثلون للنظام السوري وينبغي ترحيلهم!
طبعاً لن نتوقف عند الكلام العنصري والسخيف الذي خرج من بعض الأفواه والأقلام، لكن، لا بدّ من الإشارة الى أنّ قوى 14 آذار لطالما مارست هذه الممارسات العنصرية تجاه السوريين، وذلك قبل أن تركب موجةَ ما يسمى «ثورة سورية»، وتحاول التفريق بين الشعب السوري والنظام. هذه الإزدواجية ليست غريبة عن سياسات هذا الفريق ومواقفه، والتاريخ القريب زاخر بكثيرٍ من المواقف التي تثبت أنّ قوى 14 آذار مجرد صدى لسياسات إقليمية ودولية.
الغريب اليوم هو أن تقفز هذه القوى فوق كل بكائها ونحيبها على «الشعب السوري» المظلوم والمضطّهد على يد دولته، وأن تطالب فوراً وبمجرد رؤية عيّنات من هذا الشعب تقترع لمصلحة استقرار سوريا بترحيله من لبنان! أليس هذا الشعب هو نفسه الذي زعمت قوى 14 آذار أنها تناصره؟ وأنّ لجوءه الى لبنان انساني؟ أليس هو نفسه مَن طالب البعض بإقامة مخيّمات له داخل لبنان من دون النظر في المخاطر الأمنية والسياسية والكيانية المترتبة على طلب كهذا؟
الأرقام تتحدث، والرقم الذي اقترع في السفارة السورية منذ يومين، مضروباً بأربعة وهو المعدل الوسطي لكل عائلة سورية في لبنان، يكشف أنّ غالبية الموجودين والنازحين والمهجّرين الى لبنان من الموالين للدولة والهاربين من جرائم المسلّحين والإرهابيين والمتطرّفين هم حلفاء قوى 14 آذار في سوريا.
الإحصاءات التي جرى التثبّت منها تؤكد أيضاً أنّ هؤلاء المقترعين من محافظاتٍ ومدنٍ واريافٍ تسيطر عليها المجموعات المسلّحة، من ريف إدلب الى حلب وريفها، الى الرقة ودير الزور، والحسكة والقامشلي ودرعا. هؤلاء الذين هُجّروا من منازلهم بداعي «الثورة» ومزاعم إسقاط النظام ليسوا بالضرورة جميعهم من مؤيّدي الرئيس السوري بشار الاسد، لكنهم بالتأكيد، وبعد سنتين من الإقامة في لبنان ومن التجارة التي مورست باسمهم، إتخذوا من الانتخابات السورية فرصةً للإقتراع لمصلحة عودة الأمن الى سوريا، والاستقرار والامن والدولة، والعودة الى ما قبل «مجزرة» 15 آذار 2011.
هذا ما لا تريد أن تعترف به قوى 14 آذار والدول الراعية لها. وبدلَ أن تُصدِر «الأمانة العامة» بياناً يطالب بترحيل هؤلاء كان الاجدى بها الطلب من الدول التي «تتعامل» معها وقفَ إمداد السلاح والإرهابيين الى سوريا، فيعود جميع هؤلاء الى بلادهم بعد المعاناة التي شاهدوها وعاشوها في أحضان «أشقائهم» اللبنانيين.
التعامل مع ملف النزوح واللجوء السوري بالطريقة التي شاهدناها قبل سنتين، تجارياً وسياسياً، ثمّ الانقلاب على هؤلاء بمجرد أنهم اقترعوا لمصلحة استقرار بلادهم، يكشف زيفَ المزاعم التي انطلقت يومَ انطلاق الحرب على سوريا، والأخطر أنه يكشف تورّط البعض في ملف لم يدرسه جيداً ولم يدرك مخاطره وتداعياته على لبنان، وهذا ما يؤكد عدمَ اهلية هذه القوى لحكم البلد، وحتى المشاركة السياسية في إدارته لأنها قوى عقلها في الخارج، وقرارها مرتَهن، ولا يمكن ائتمانها على مستقبل البلاد في ظلّ الخرائط الجديدة التي ترسم في الشرق الاوسط.