IMLebanon

خلفاء الطوائف في لبنان

اليوم 12 تموز.. الذكرى الثامنة لحرب تموز 2006 والتي اندلعت على أثر خطف حزب الله لثلاثة إسرائيليين.. استمرت الحرب 35 يوماً.. وانتهت بالقرار الدولي 1701 وما سبقه من قرارات دولية.. وإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب مع حوالي 11 ألف جندي من القوات الدولية..

لا داعي للغوص في تلك التجربة وما تلاها من تطوّرات وتداعيات لا زالت مستمرة حتى الآن.. ومن الحكمة الآن ألاّ نناقش بعضنا بعضاً لأنّنا جزءٌ لا يتجزّأ من الحريق الدائر من حولنا ولا رأي لنا به ولا تأثير.. ونحن بحالة عجز تام عن الحركة أو الإجتهاد.. مع الحديث الذي يدور منذ أسبوعين بأنّنا أصبحنا إحدى ساحات النزاع.. إذ يتحدث أصدقاؤنا الوزراء بكلّ ثقة عن خارطة الإرهاب والأهداف والساحات مع تعاظم المظاهر المسلّحة.. متناسين السنوات الماضية وجبهاتها وجولاتها وتفجيراتها وضحاياها..

إنّ على كلّ غير المنخرطين في النّزاعات أو الإستثمار في هذه الحرائق والدماء أن يتمسّكوا بالدولة الوطنية بما هي مستشفى ميداني لإغاثة اللبنانيين الذين سيصابون في دورة العنف المجنون التي تحاصرنا من كلّ إتّجاه.. نعم علينا أن نفكّر بالدولة الوطنية لأنّها الخلاص والعلاج لأمراض أمراء الطوائف اللبنانية.. وهم إلى حدّ بعيد قد نصّبوا أنفسهم خلفاء صغار..  كلٌّ على جماعته أو طائفته طالما أنّ المضمون ديني أو مذهبي بما هو مقدّس.. إنّ أمراء الطوائف في لبنان خلفاء صغار.. وإن اختلفت الدعوة أو الفكرة إنّما الآلية عينها والإمتيازات المقدسة عينها..

إنّ العلاج كان ولا يزال في الدولة الوطنية التي نعيش فيها كأفراد على أساس المواطنة التي لا تؤمن بها الحركات الدينية الإسلامية والمسيحية لأنّ هويّتهم الدينية أكثر إتّساعاً وشمولية.. فالأُخُوَّة في الدين تتجاوز الأُخُوَّة في الوطن.. وهذا ما منع قيام الدولة الوطنية اللبنانية لأنّ خلفاء الطوائف يريدون أن يحكموا باسم الدين بما هم مقدّسون ويمثّلون الضمير الجمعي للطائفة أو الجماعة.. ولقد حالوا دون إنصهار طوائفهم في الهوية الوطنية الواحدة والدولة الوطنية الجامعة.. فكانت كلّ التجارب الوطنية هي مجرد إعادة تكوين للسلطة لا أكثر ولا أقل.. وكانت الدولة دائماً في خدمة السلطة في حين أنّ القاعدة تقول أن تكون السلطة في خدمة الدولة والمجتمع..

على الأفراد اللبنانيين غير المنخرطين في الإستثمار بالنزاعات الدائرة بما هم أفراد وأصحاب مصلحة وطنية في قيام الدولة أن يكونوا على أتمّ الإستعداد لإغاثة الطوائف وحلفائها من الويل الذي يسوقون الناس إليه..

هذا هو الحال الذي نحن عليه في 12 تموز 2014.. بعد ثماني سنوات على عدوان تموز 2006 ومع إنطلاقة حرب تموز 2014 في غزة.. والمعروف أنّ حرب تموز 2006 عرفت آنذاك غزة 2 وما تلاها.. لأنّ لبنان يستطيع أن يكون ما يشاء في النزاع السوري إنّما مع إسرائيل فهو في قلب الصراع وفي عمقه بكلّ تفاصيله وفصائله..

إذاً سينتهي مونديال 2014 على إيقاعات مونديال 2006 بالعملية العسكرية الإسرائيلية والتي جاءت أيضاً على أثر خطف ثلاثة إسرائيليين وقتلهم ثم إحراق الفتى محمد أبو خضير.. وهذا نزاع مغاير تماماً لكلّ المآسي والدماء التي تسيل في كلّ دول الربيع العربي بدون إستثناء.. وبشكل كارثي مع الإعلان عن دولة الخلافة في العراق والشام.. والتي حاول اللبنانيون في الأيام الماضية أن يجعلوا منها موضوعاً فوق كلّ ما يدور في سوريا واليمن وليبيا والعراق.. وجاءت خلافة أبو بكر البغدادي مع الحديث المتواتر عن خارطة إنتشار عناصر داعش والقاعدة والنصرة في لبنان مع حملة إعلامية مركّزة.. وبذلك نكون، بالإضافة إلى إستضافة عناصر الأزمة في سوريا والعراق، مع ضيف جديد هو العدوان على غزة.. مع توجيه دعوة لاسرائيل عبر الصواريخ التي أُطلقَت من جنوب لبنان..

لا داعي لأن نكرّر ما يشاهده اللبنانيون عن حرب غزة أو العراق أو سوريا لأنّها الميادين ونحن معنيون بالسياسات.. لأنّ غاية الميدان أو الأمن هو تنفيذ لسياسةٍ ما نتعرّف عليها من خلال السياسات.. لذلك كان لا بدّ من عميلة تنشيط الذاكرة بكيفية الصراع مع إسرائيل وما هي العناصر المتداخلة والمعنية في هذا الصراع بما هو الموضوع الأساسي منذ مئة عام بالتمام والكمال..

دخلت المنطقة مرة أخرى في دائرة الصراع الأساسي والكبير.. فما كان من مجلس الجامعة إلا أن اجتمع ودعا إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن الذي انعقد خلال 24 ساعة.. واجتمع مجلس منظمة التعاون الإسلامي فوراً وكذلك المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي.. بالإضافة إلى تصريحات رؤساء الدول الكبرى وكبار المسؤولين في العالم.. والحديث واضح أنّ غزة الآن تعيش تجربة بيروت 2006..

ستكون الحرب طويلة وستنشط الدبلوماسية الحامية ولا أحد يعرف كيف ستكون النتائج الأمنية.. الا أنّ من المؤكد أنّه سيكون هناك 1701 غزاوي مع ما سبقه من قرارات في الصراع العربي- الاسرائيلي (242 و338) وانتشار قوات دولية وعودة السلطة الوطنية.. وربما سيكون هناك دوراً مصرياً في الأمن والإستقرار وربما في فصل القوات.. ما يهمّنا هو أنّ غزة ستعيد تحريك الآليات الإقليمية والدولية والعربية للعمل بعد توقّفٍ دام أشهر بسبب فشل مهمة الإبراهيمي في سوريا والذي تم تعيين خلفاً له بالأمس.. وفشل كيري في التفاوض الفلسطيني- الاسرائيلي.. وفشل آشتون وفيلتمان ورفاقهما في النووي الإيراني.. وفشل جمال بن عمر في اليمن..

إسرائيل الآن تريد إسترداد الكاميرا من المونديال وساحات النزاعات العربية.. والجدير بالذكر بأنّ العالم لا يتابع الحرب الدائرة من خلال قناة العربية فهذه لنا نحن فقط.. إنّما العالم له وسائل إعلامية أخرى يتابع من خلالها ما تتعرّض له اسرائيل وليس غزة.. وجميعها تقريباً تعمل لدى إسرائيل وأصحابها.. ستكون أيام في منتهى الغموض والهول ومنتهى الحركة.. وما بعد غزة ليس كما قبله بالنسبة للقضية الفلسطينية تحديداً.. ولبنان المعني الكبير في تطورات هذه القضية ونتائجها سياسياً وأمنياً..

إنّها لحظة للتواضع والإسترخاء والتّبصّر والتأمّل.. إنّها لحظة الأفراد الذين ينهضون بالأمم والشعوب.. إنّها لحظات لصنع التاريخ.. إنّها لحظة شديدة الهول.. والمعجزة فيها هي بقاء الدولة الوطنية والسلام الذاتي والسلام المجتمعي والسلام الوطني.. إنّها لحظة البقاء أو الضياع.. إنّها لحظة للتّسامح والتّصالح والإعتراف بالأخطاء.. إنّها لحظة إجتماعنا في 2006 ضد العدوان لأنّنا كنا نريد سلامتنا جميعاً.. ولا نحتاج الآن إلى أن يعترف الجميع بأخطائه أو أن يبادر الجميع أو أن يتصالح الجميع.. نحتاج الآن إلى «المواطن المثال».. لنبني على مثاله الوطن إن لم يكن قد أضاعه خلفاء الطوائف في لبنان!..