IMLebanon

خيار ثالث بين إرهابين!

«هل تطلبون نبذة صغيرة عن أرض قمعستان تلك التي تمتد من شمال أفريقيا إلى بلاد نفطستان تلك التي تمتد من شواطئ القهر إلى شواطئ القتل إلى شواطئ السحل إلى شواطئ الأحزان». نزار قباني

 

قد لا يشبه الإرهاب الذي يحاصرنا في هذه المنطقة الإرهاب الذي ضرب الدول الغربية في كثير من النواحي. فخلال أيام العنف اليساري الثوري كان الإرهاب في الغرب موجهاً ضد أنظمة مدعومة من مجتمعاتها، وحتى أن بعض المجتمعات غالت في دعمها الأنظمة لدرجة المطالبة بخرق القوانين لمعاقبة المسؤولين عن الإرهاب، كما حصل في ألمانيا الغربية عندما طالب المواطنون بالعودة إلى عقوبة الإعدام الملغاة، وطالب البعض بقتل قادة منظمة «بادر ماينهوف» المسجونين حتى من دون محاكمة، وذلك بعد سلسلة من الأعمال الإرهابية والاغتيالات السياسية سنة التي قادها هؤلاء من داخل السجن هددت السلم الاجتماعي لشعب ألمانيا الخارج من كارثة الحرب العالمية الثانية والساعي إلى محو آثار الحقبة النازية ومآسيها، وسميت الحوادث يومها «الخريف الألماني». شاركنا كعرب في هذه الموقعة عندما تم بالتزامن مع هذه الأحداث اختطاف طائرة ألمانية حطت في الصومال وكان الخاطفون تابعين للمجال الخارجي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أرادوا دعم زملائهم الثوريين في ألمانيا من خلال مضاعفة الضغط على الحكومة لإطلاق سراح القادة المسجونين.

يذكر اليوم من كان مثلي كيف انتهى ذاك الخريف إلى مقتل معظم خاطفي الطائرة العرب، وكيف قتل «اندرياس بادر» زعيم الجيش الأحمر الألماني ورفاقه في السجن بطريقة غامضة وغابت بعد ذلك التاريخ تلك المنظومة عن السمع…

كانت شعوب تلك الدول تسعى إلى الاستقرار بعد حرب مدمرة، وكانت تضع نصب أعينها تركيز قواعد أنظمة ديموقراطية تؤمن تداول السلطات وتضمن النمو والازدهار وحقوق الإنسان وتمحو ذاكرة الحرب والنزاعات من الذاكرة الاجتماعية مما جعلها تقف، مع تباين توجهاتها السياسية، صفاً واحداً مع حكوماتها في مواجهة الإرهاب.

أما في شرقنا العربي، فقد وقع المواطن، منذ نشأة كياناته السياسية، أسيراً بين إرهابين. من جهة إرهاب ما كنا نسميه «العصابات الصهيونية»، ومن جهة أخرى إرهاب مجموعة من العصابات التي استولت على السلطة في كياناتنا، فطحنت المواطن العربي بين إرهابين متقاطعين في أسباب الوجود والمصالح! فالعصابات الصهيونية تحولت إلى «النظام الديموقراطي الوحيد في الشرق الأوسط الذي يواجه بحراً من الأنظمة الديكتاتورية القمعية التي تقتل وتبطش بشعوبها، فكيف ستفعل باليهود المظلومين إن انتصرت عليهم!». وفي المقابل فقد سوغت أنظمتنا عنفها وتجبرها وغياب التنمية وغياب الحقوق وكثرة السجون والمعتقلات وأنظمة الطوارئ بحجة «تحضيرها للمعركة مع العدو الصهيوني«.

اليوم أصبحت دولة العصابات الصهيونية في مكان آخر، ولولا بعض المناسبات الدموية كالذي يحدث في غزة اليوم، لنسي المواطن العربي ونسيت الأنظمة وجودها كتهديد وكعدو. العدو الآن هو التطرف، وهو نفسه الذي صنعته واستخدمته هذه الأنظمة لأسباب مختلفة لتبرير وجودها. المعادلة العبقرية اليوم هي إما الإرهاب المنظم تحت سلطة معروفة وموحدة وهي الأنظمة القمعية ذاتها، أو الإرهاب الأعمى المتمثل اليوم بداعش وأشباهها.

قد يكون الإختيار المنطقي هو أهون الشرين، أي الإرهاب المنظم، ولكن ألم يخطر ببال أحد خيار ثالث وهو خيار الحرية والحقوق للناس، خيار تداول السلطات وهي الخيارات الوحيدة التي تقضي على التطرفين الإرهابيين أي الأنظمة المتسلطة والعصابات الداعشية.

() عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل»