IMLebanon

خيط غليظ… يربط بين تناقضات ميشال عون

النائب المسيحي ميشال عون مرشّح في إنتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية. هذا ما يقوله مؤيدو القائد السابق للجيش اللبناني. هؤلاء يصفون الرجل بأنّه مرشح «وفاقي» أحيانا و»توفيقي» في أحيان أخرى. يقصدون بذلك أن عون قادر على أن يكون على مسافة واحدة من كلّ اللبنانيين وأن يكون في الوقت ذاته رئيسا «قويّاً».

كان يمكن تأييد ميشال عون في إنتخابات رئاسة الجمهورية لو حدّد الرجل موقفا من أي موضوع كان مطروح حاليا في لبنان. على سبيل المثال وليس الحصر ما موقف القائد السابق للجيش اللبناني في كلام الجنرال يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري لـ»مرشد» الجمهورية الإسلامية في إيران. قال صفوي أخيرا أنّ «قوّة إيران ونفوذها إمتدا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط» مضيفا أن «خطّ الدفاع الأوّل لإيران أصبح في جنوب لبنان».

لم يجد ميشال عون «موديل 2014» ما يردّ به على المسؤول الإيراني الذي يعني، أوّل ما يعني، أن لبنان بات مستعمرة إيرانية. كيف يمكن لمرشّح جدي لرئاسة الجمهورية في لبنان الإمتناع عن إتخاذ موقف من تصريح خطير من هذا النوع.

كيف في إستطاعة من يعتبر نفسه على رأس أكبر كتلة مسيحية في مجلس النوّاب اللبناني تجاهل مثل هذا الكلام الذي يعني أنّ لبنان صار مجرّد تابع لإيران وأن حدود لبنان تحت السيطرة الإيرانية تتحكّم بها بالطريقة التي تشاء وفي الإتجاه الذي تختاره خدمة لأغراض لا علاقة لها من قريب او بعيد بما يخدم لبنان واللبنانيين. من الواضح أنّ ميشال عون يعتقد أن في إستطاعته الجمع بين اللبنانيين، علما أنّ ذلك ليس ممكنا. البلد في خندقين يواجه كلّ منهما الآخر. هناك خندق من يريد إستعادة الدولة اللبنانية، وهناك من يرى أن لبنان مجرّد «ساحة» لا أكثر تستخدمها إيران في المفاوضات التي تجريها حاليا مع المجتمع الدولي. يعرف الطفل الصغير أن ميشال عون في خندق الذين يريدون لبنان «ساحة» وتابعا للمحور الإيراني ـ السوري.

هل يمكن لمن إنغمس إلى ما فوق رأسه في حلف مذهبي شعاره «تحالف الأقلّيات» الإنتقال إلى موقع الواقف على مسافة واحدة من الجميع والقادر على التوفيق بين اللبنانيين، أي بين المطالبين بعودة الدولة من جهة والراغبين في المتاجرة بالبلد من جهة أخرى؟ لا نريد العودة إلي ميشال عون الضابط في الجيش اللبناني الذي كان في الواقع في إمرة بشير الجميل أيام كان الأخير قائدا لـ»القوات اللبنانية» وذلك في السنوات التي سبقت وصول بشير إلى رئاسة الجمهورية ثمّ إغتياله في الرابع عشر من أيلول ـ سبتمبر 1982 في ظروف معروفة بناء على تعليمات صادرة عن النظام السوري. لا وجود لأسرار في لبنان.

الجميع يعرف أن ميشال عون دخل المدرسة العسكرية بوساطة وفّرها له نائب المنطقة التي ينتمي إليها هو المرحوم إدوار حنين. كان حنين ينتمي إلى حزب الكتلة الوطنية، حزب العميد ريمون إده، رحمه الله. ريمون إده الذي لم يؤمن يوما بالعنف والسلاح والإنتهازية… من يوم دخوله إلى المدرسة العسكرية في خمسينات القرن الماضي، إلى وصولنا إلى ميشال عون موديل 2014، الساعي إلى أن يكون مرشّحا وفاقيا يوجد خيط غليظ يجمع بين كلّ تصرّفات الرجل ويفسّرها. هذا الخيط تختصره كلمة واحدة وحيدة هي الإنتهازية.

بلغت الإنتهازية بميشال عون حدّ الذهاب إلى سوريا لوضع نفسه في خدمة بشّار الأسد من دون أن يطرح سؤالا عن مصير اللبنانيين في السجون السورية أو عن مصير قسم لا بأس به من الجنود والضبّاط الذين كانوا إلى جانبه عندما إجتاح الجيش السوري ما بقي من المناطق المسيحية، بما في ذلك قصر بعبدا في تشرين الأوّل / أكتوبر 1990. لا داعي لسرد كل التناقضات في تصرّفات قائد سابق للجيش اللبناني قال في «حزب الله» ونظام الأسد، الأب والإبن، ما لم يقله مالك في الخمرة وإنتهى في أحضانهما.

المشكلة في النهاية ليست في شخص ميشال عون الذي لا يمكن الإستخفاف بقدرته على ممارسة الإنتهازية إلى أبعد حدود الإنتهازية من دون أن يرفّ له جفن. المشكلة في أن قسما لا بأس به من المسيحيين اللبنانيين ما زالوا يتبعونه. هؤلاء يتبعون رجلا على إستعداد للتضحية بهم من أجل الوصول إلى موقع رئيس الجمهورية. هؤلاء يرفضون الإعتراف بأنّ ميشال عون لم يكن يوما سوى أداة سورية، حتى عندما ادّعى أنه يريد «تكسير رأس حافظ الأسد» إسترضاء، في حينه، لصدّام حسين!! من حسن الحظّ أن بين المسيحيين اللبنانيين من يعرف تماما من هو ميشال عون. هذا القسم الكبير من اللبنانيين يتذكّر أن ميشال عون مستعد حتّى للعب دور الغطاء لـ»حزب الله» وإيران في دول الخليج العربي، على رأسها المملكة العربية السعودية والذهاب حتّى إلى توجيه الشتائم إلى المملكة وإتهامها بتصدير الإرهاب والتطرّف! الأكيد أن في الإمكان التحفظ عن كثير من السياسات والتصرفات السعودية. ولكن هل صارت المملكة مصدر كلّ مصائب المنطقة ولبنان علما أنّها لم تقدّم للبنانيين، وإن قصّرت أحيانا، إلّا ما يساعدهم في تطوير بلدهم؟ في السنة 2014، نشهد نهاية لعبة سمجة لرجل كان دائما نكتة سمجة. فميشال عون لم يدرك يوما أن في إستطاعته أن يضحك على بعض الناس بعض الوقت، لكنّه لا يستطيع أن يضحك على كلّ الناس كلّ الوقت. نسي ميشال عون أن معظم الناس يمتلكون ذاكرة.

يعرف اللبنانيون ماذا يساوي نوّاب عون ووزرائه وأنّ أحسنهم لم يكن يستأهل أن يكون بوّابا عند نسيب لحود، رحمه الله، الذي لم يوفّره ميشال عون في حملاته على كلّ من يمتلك حدّا أدنى من الأخلاق في البلد. كيف يرفض قائد سابق للجيش إدّعى يوما أنه حامي حمى الوطن والمسيحيين الدفاع عن الدولة اللبنانية وما بقي من مؤسساتها وسيادتها عن طريق تشريع السلاح غير الشرعي الذي كان فلسطينيا في العام 1969 وصار إيرانيا بعد السنة 1982، تاريخ خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان…أم أن رئاسة الجمهورية تستأهل حتّى التخلي علنا عن السيادة وعن كلّ المبادئ؟ رحم الله ريمون إده، رجل المبادئ الذي رفض التنازل قيد أنملة عن ما كان يؤمن به حتّى عندما عرضت عليه الرئاسة على صحن من فضّة.