عندما شكلت حكومة تمام سلام وفقاً للتسوية الشهيرة بين فريقي 14 و8 آذار، استبشر اللبنانيون خيراً أو راحوا يبنون الاحلام الوردية على حكومة التسوية، وبعد نجاح الحكومة في اصدار دفعات التعيينات الإدارية حيث فشلت الحكومات السابقة بمن فيهم حكومة اللون الواحد وحكومة «حزب الله» كما يسميها فريق 14 آذار كونه ليس ممثلاً فيها، إرتفع منسوب تفاؤل اللبنانيين في هذه الحكومة خصوصاً وانهم كانوا يعرفون مسبقاً انها ستحل بالوكالة محل رئيس الجمهورية بسبب تعذر بل استحالة وصول الطرفين المعنيين إلى اتفاق على انتخاب رئيس لهذه الجمهورية وراحوا يبنون قصوراً من الاحلام على قدرتها على تسيير عجلة الدولة والتعويض عن تقصير الحكومات السابقة في كل المجالات ولاسيما في المجال الاقتصادي بحيث انخفض النمو في عهد الحكومة السابقة إلى ما دون الواحد والنصف بالمائة بعد ما وصل في عهدي حكومة الرئيس سعد الحريري وقبلها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلى سبعة أو ثمانية بالمئة حسب ما أجمعت تقارير البنك الدولي والتقارير العربية والمحلية.
لكن هذه الحكومة التي نجحت في التعيينات الإدارية غرقت في البحث عن تسوية بين أعضائها حول صلاحياتها في ظل الشغور الرئاسي، وهل تستطيع العمل للنهوض بالأوضاع الاقتصادية كما استطاعت العمل لانتاج خطة أمنية سميت في حينه خطة الشمال والبقاع الشمالي، بحيث تشمل عرسال والهرمل وجوارهما، فتبين بعد انقضاء عدة شهور انها لا تزال غارقة في البحث عن كيفية ممارستها لصلاحيات رئيس الجمهورية فيما الوضع العام يزداد سوءاً اقتصادياً وسياحياً واجتماعياً وتربوياًَ من خلال انتفاضة معلمي المدارس الرسمية مطالبين بإنصافهم، كما انصفت الحكومات السابقة أساتذة التعليم الجامعي والقضاة وانضمام موظفي القطاع العام للمطالبة أيضاً بإنصافهم، ولأن الحكومة كات منشغلة بالبحث عن آلية لاستخدام صلاحيات رئيس الجمهورية وجمدت صلاحياتها التي أناطها به الدستور اللبناني تعطلت عن العمل والانتاجية وتعطل معها كل شيء، بما في ذلك الماء والكهرباء، بحيث وصل التقنين في العاصمة إلى حدود الثمان ساعات يومياً في حين ارتفع في معظم المناطق إلى أكثر من 15 ساعة على مدار الساعة، وأصبح اللبنانيون يعيشون في العتمة كما كانوا يعيشون أيام الحرب الأهلية التي نكب هذا البلد بها، فيما الحكومة عاجزة عن التحرك لمواجهة هذا الوضع المذري، لانها منشغلة في معالجة مشاكلها الداخلية الناجمة عن الفراغ في رئاسة الجمهورية المرشح لأن يستمر شهوراً كثيرة اذا بقيت مواقف الأطراف الداخلية على حالها ولم يحصل تغير ما يقلب الأمور من أسود الى أبيض، وهذا بات يحتاج إلى قوة خارجية تفرض على الأطراف اللبنانيين الامتثال الى مشيئتها، وبالمبادرة إلى انتخاب رئيس للجمهورية كما حدث في الدوحة من سنوات بحيث تم التوافق بضغط خارجي ملموس على انتخاب رئيس توافقي هو الرئيس ميشال سليمان فهل تتكرر تجربة الدوحة مرة ثانية، وتخرج البلاد من عنق الزجاجة أم ان العالم منشغل عن لبنان بقضايا اخرى خطيرة، كالأزمة العراقية والأزمة السورية واليوم الأزمة الغزاوية بعد القرار الاسرائيلي بالاجهاز على حركة حماس وانهاء عصرها في غزة وفي القضية الفلسطينية، وبالتالي بات يتوجب على اللبنانيين أن يرتقوا الى مستوی المسؤولية التاريخية ويحلوا مشاكلهم بأنفسهم ومن دون أي تدخل خارجي، وذلك قبل أن يندم الجميع، بعد أن أصبح هذا البلد في دائرة الخطر وفي قلب العاصفة.