IMLebanon

«داعش» أيقونة بشار.. ولو قاتلته!

 

لم ولن يجد بشار الأسد مثل تنظيم «داعش» إكسيراً لبقاءٍ يريده، خصوصاً بعدما صارت له دولة فعلياً. سعادته بـ«الدواعش» لا تقل عن سعادة هؤلاء بانتصاراتهم. هم يريدون تحقيق أحلام مجنونة، وهو يريد أن يبني على جنونهم مبررات البقاء.

من خلال «داعش» يركب بشار الأسد موجة مواجهة الإرهاب، التي تهم الحكومات والشعوب الغربية والعربية. من خلال «داعش» يفتح صدره لاحتضان الأقليات الدينية وغير الأقليات الدينية- التي يرى كثير منها أن إجرام الأسد أقل وطأة من ظلم دولة «داعش». وعبر «داعش» تضعف جبهات الثوار بحرب هذا التنظيم عليها، ويقل نصير مناهضي بشار، لأن «وجود معتدلين قادرين على الإطاحة بالأسد فانتازيا سياسية» على ما قال الرئيس الأسد في باراك أوباما، أحد مدعي صداقة الشعب السوري.

في الواقع؛ فإن «داعش» هو «أيقونة» بشار الأسد التي يقبّلها كل يوم، لأنها تمد في عمره السياسي، وربما الطبيعي أيضاً. صنعها بنفسه، أو أسهم إلى حد كبير في صنعها؛ عندما جعل بلاده مقصد الراغبين بالجنة، وبعدما فتح سجونه ليخرج منها من ادخرهم بالاعتقال لوقت الحشرة، وعندما اخترق قيادات وتشكيلات داعشية هامة، وبعدما ترك العالم كله السوريين رهينة إرهاب بشار الأسد… ثم أكملت طائفية نوري المالكي الدور؛ والتقى الرافدان السوري والعراقي على تطرف مجنون، وصار للغلو الديني دولة!.

ماذا يريد بشار الأسد تسويقاً لبقائه أكثر من وجود جماعة تقول عنها «جبهة النصرة» (أي تنظيم «القاعدة» نفسها) إنها تمثل «خوارج العصر الحديث»؟!، إنها منظمة متطرفة بمقاييس المتطرفين، فكيف بالمعتدلين من المسلمين، أو غير المسلمين؟! ومن أين يجد جماعة بهذه القوة هي «عدو للثورة السورية»، على ما يصفها «الائتلاف السوري»، وأنى له بأغبياء يظنون أنهم يطبقون نهج الأنبياء وهم يستَعدون العالم، وينفّرونه من الإقبال على الإسلام أو دعم ثورة الشام؟

بفضل «داعش» لم يعد السؤال: ما مصير الثورة السورية، وإنما ما مصير الأقليات الدينية؟ بعدما خيّر الخليفة الداعشي مسيحيي الموصل -ومن قبلهم الرقة- بين الإسلام أو الجزية، فاختار أكثرهم الرحيل، فصادرت «دولة الباطل» أملاكهم، ولم يعد يسأل أحد عن مستقبل سوريا ما بعد بشار، وإنما عن مستقبل الحريات الإنسانية بعدما صار لزاماً على النساء التعرض للاختتان، ولبس؛ لا الحجاب وإنما الخمار، وصار على الرجال الالتزام بضوابط في الشكل والهندام لا وجوب لها في الشريعة الإسلامية أصلاً، وصارت حريات الناس مقيدة بفرمانات داعشية، لا سند شرعياً لها، أو أن سندها ضعيف وغير ملزم.

مع «داعش» انحلت رزمة كبيرة من التراكمات الحضارية للبشرية، وعدنا إلى الجلد، والصلب، وفصل الرؤوس عن الأجساد وتعليقها، وإصدار صكوك التوبة، واضطهاد المخالفين، والقتل بالشبهة أو بالمعصية يرتكبها الإنسان، وفرض النزوح وتسليم السلاح على أهل قرية حتى «يطمئن حماة الدولة»، بل فرض مفاهيم ضيقة على عموم المسلمين، ولو أدى ذلك إلى تدمير مساجد ومراقد وآثار باتت ملكاً للبشرية كلها.

لا يضير بشار الأسد بعد هذه الخدمات الجليلة لأيقونته أنها اقتطعت مساحة واسعة من سوريا وأعلنت فوقها بعد ربطها بمساحة أخرى في العراق- دولتها بالقوة، ولا يضيره أنها تبيع نفط سورياً لتقوي نفسها به، ولا يزعجه أنها تقاتل جيشه أحياناً، أو أنها تقتل أبناء طائفته وتعاديها على طول الخط. لم يهتم نيرون إن احترقت روما، طالما أنه يعزف على قيثارته، ولا يهم بشار إن اختربت سوريا طالما أن معمماً يقف على منبر العيد ليقول: «إن الله أقامك مقام خالد بن الوليد، وعمر بن عبد العزيز، ونور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس»!.

من أجل أن يبقى بشار حياً على كرسيه تجاوز عدد القتلى السوريين مئتين من الآلاف وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمعوقين والمهجرين. من أجل أن يقول بشار الأسد للعالم أعطوني تفويضاً بالبقاء؛ أيقظ شياطين التطرف في المنطقة كلها، ولدى الطوائف كلها.

كيف يمكن إحباط مكر بشار الأسد؟ سؤال صعب وسط موجات التطرف التي تضرب المنطقة كلها. والأصعب أن أطرافاً فاعلة لن تقبل بما يوجبه حفظ ما تبقى من انسجام في هذا البلد (الانسحاب العسكري لـ«حزب الله» من سوريا والعراق على سبيل المثال)، وليس من باب الشماتة لأننا كلنا نكتوي بنار الغلو الديني- ولكن ينبغي تذكير العالم أن تخاذله تجاه الثورة السورية هو الذي فتح المجال للتطرف، وأن وقوفه إلى جانب الغالبية الثائرة في سوريا هو السبيل للقضاء على إرهابَي نظامه والمتطرفين، وقبل أن يحصل ذلك لا يجوز بحال تبرير جرائم «داعش» من أي شريحة شعبية لبنانية، كما لا يجوز تبرير إقحامنا بالقوة في هذا الأتون بدعوى ضعف الدولة، وإلا سيأتي زمان تنحل فيه المؤسسات ويعود كل فريق إلى نفسه وقوته، وعندها نقرأ على لبنان السلام.