الجمهورية في استنفار أمني وتدابير استثنائية غير معلَنة. لبنان مستهدَف بموجة إرهابيّة جدّية. والمعلومات المتداوَلة عن حجم المخاطر الأمنية، أقلّ بكثير من الحقيقة. الأجهزة الأمنية تعمل بأقصى طاقاتها، فيما يُشبه سباق الماراتون بينها وبين الإرهابيّين.
هذه المعطيات يمكن لأيّ زائر أن يسمعها في مكاتب ومقرّات رئاسية وفروع أجهزة أمنية. لكن على رغم ذلك فالواقع ليس كارثياً، والبلد لا يخلو من الشائعات في زمن سرعة التواصل و»الواتس آب» و»تويتر» و»فايس بوك». يكفي أن تصل معلومة خاطئة أو مفبركة أو مدسوسة إلى جهاز أيّ شخص لبناني مهما كان مصدرها، حتى تصبح في التداول السريع، وقد تقع بعض الوسائل الإعلامية الرصينة والجدّية في خطأ تبَنِّيها.
تزامنَ ورود المعلومات الأمنية شبه المؤكّدة إلى الأجهزة المعنية مع بداية غزوة «داعش» في شمال العراق. المخابرات الأميركية أعطَت «نصف معلومة» إلى مخابرات الجيش اللبناني، وأحدِ الأجهزة الأمنية الأخرى عن التحضير لعملٍ إرهابيّ ما في لبنان. تابعَت الأجهزة اللبنانية المعلومات الأميركية وتوصَّلت إلى بقيّة خيوط القضية، لينكشفَ على الأثر حجم التهديد الذي يُواجهه البلد، وذلك استناداً إلى إفادات بعض الموقوفين أخيراً، والتقارير الأمنية المحَلّية والخارجية التي لا تزال تصل عبر بعض الأجهزة الاستخبارية الدولية.
الأهداف محور التداول تتحدّث في جزء منها عن اغتيال شخصيات سياسية، واستهداف مناطق تابعة لـ»حزب الله» أو مقارّ ومؤسّسات على صِلة بالحزب. لكن هذا ليس كلّ شيء. ثمّة معلومات عن نيّة الإرهابيّين استهدافَ ضبّاط ومؤسّسات رسمية، وفي مقدّمها مؤسّسة الجيش اللبناني والأمن العام. أمّا استهداف «المناطق المسيحية» فينفيها بعض الجهات الأمنية، وبقول إنّ التحقيقات والمتابعات لم تُفضِ إلى خيوط عن التحضير لعملية ضدّ إحدى الكنائس أو المؤسّسات ذات الرمزية المسيحية، لكنّها تُضيف أنّ هذا الأمر غير مستبعَد، في ظلّ الأجواء التي تعيشها المنطقة، فكلّ لبنان مستهدَف، وليس هناك منطقة خارج الرصد والمتابعة واليقظة الأمنية.
أصبح مشهد الحواجز الطيّارة والكمائن التي تُنفذّها القوى الأمنية فجأةً في المناطق اللبنانية مألوفاً. ثمّة إنجازات وتوقيفات لم يعلَن عنها. بعضها أفضى إلى معلومات جديدة وبعضها لم يقدّم أيّ معطيات تضاف إلى ما تملكه الأجهزة اللبنانية من معطيات ومعلومات.
يمكن تلمُّس المخاطر وحجم التهديد الموجود من خلال الإجراءات الصارمة التي اتّخذَتها بعض المرجعيات السياسية والشخصيات والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية. من الواضح أنّ ما أُعلِن عنه من مخاطر وتهديدات ليس من باب المزاح أو الاستثمار الإعلامي. فقرار تفجير البلد، ولو جزئيّاً، اتّخذته الجماعات الإرهابية المتطرّفة والقوى الإقليمية والدولية التي تقف خلفها.
ثمّة صِلة بين الموجة الإرهابية التي تتهدَّد لبنان وبين الأحداث الإقليمية والنزاع في سوريا والعراق. والبعض يضعها في سياق الضغط في اتّجاه «التوافق» على رئيس جمهورية جديد من خارج الأسماء المطروحة. بعضهم يتحدّث بسيناريو غريب عجيب، ويقول في هذا الصدد: «داعش تُنفّذ أو ستُنفّذ ما يشبه 7 أيّار مضاداً أو معاكساً في وجه «حزب الله»، لتدفعَه إلى الخروج من سوريا، أو الجلوس على طاولة تفاوض على غرار ما حصل في الدوحة عام 2008، والتفاهم على رئيس جمهورية توافقي!!»
هذه المناخات حقيقية ولكنّها حتى الآن تحت السيطرة والقدرة على مواجهتها والتعامل معها. الظروف التي تشكّلت في ظلّها الحكومة شبيهة من الناحية الأمنية بالظروف الحاليّة، وبفعل القرار السياسي المتّخَذ من القوى السياسية كافّة، تجاوز البلد مراحل أمنيّة صعبة وفيها كثير من المخاطر والتحدّيات. المهم أنّ القرار السياسي بجَعلِ الأمن أولوية لا زال قائماً، والأهمّ أنّ تعاونَ الأجهزة الأمنية وتنسيقَها في ما بينها بحسبِ الأصول يُفضي إلى نتائج مهمّة من شأنها الحد من الموجات الإرهابية والتعامل معها استباقياً، وتفكيكها.