IMLebanon

«داعش»… عراقياً وعربياً

أعلن تنظيم «داعش» عن فرعه في الأردن! هكذا، بصراحة بل بصلافة، وأوضح متحدث باسم التنظيم، أبو محمّد بكر، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية، أن مهمات الفرع الآن، هي العمل «كمركز للخدمات اللوجستية»، إنما «مؤقتا»؛ فالأردن جزء من الدولة الإسلامية في العراق والشام.

«داعش» تنظيم مطارَد في المملكة، لكن أنصاره بدأوا يستشعرون القوة منذ سقطت الموصل في أيديهم؛ إنهم يتمتعون بحفاوة «جمهور» يثير حجمه القلق فعلا؛ ذلك أنه يدور في ثلاث حلقات، أولاها السلفيون الجهاديون الذين بهرتهم انتصارات «داعش»، وحركت جرائمه في العراق، غرائزهم، ويبدو أنهم يتجهون، أفرادا وجماعات، إلى الالتحاق بصفوف «الدولة»، تاركين خلافاتهم وولاءاتهم السابقة للقاعدة والنصرة وغيرهما؛ لدى «داعش»، اليوم، كل العناصر التي تلبي الاحتياجات المادية والنفسية للمجاهدين: المال والسلاح والتجهيزات والقوة البازغة والتكفير الصارم والعنف وارتكاب الفظائع المصوَّرة التي يؤدي بثها على اليوتيوب، دورا في الدعاية والتحشيد، يغني عن كل الخطب والنقاشات الفقهية.

في مواجهة الانتقال السريع للسلفية الجهادية الأردنية نحو البيعة لأبي بكر البغدادي، تتبع الأجهزة الأمنية الأردنية، تكتيكا يبدو لي بدائيا وبائسا؛ فهي تراقب، وتتجنب الاشتباك مع السلفيين، خوفا من تسريع انتقالهم إلى داعشيين، وتأمل أن تثير بين صفوفهم سجالات وانشقاقات من خلال نشطاء سلفيين معادين لـ«داعش»؛ أبرزهم الداعية المعترَف به عالميا، المقدسيّ؛ أفرجت عنه بعد فترة سجن طويلة، لكي يساجل «داعش»، ويحول دون سيطرتها الكاملة على الحركة السلفية الجهادية في البلاد، لكن، هيهات! فماذا تفعل الكلمات والأموال الشحيحة، مع إغراء الذبح والاغتصاب والملايين واقتراب تحقيق حلم الخلافة؟ الحلقة الصلبة الثانية من جمهور «داعش»، تتمثل في البعثيين والمعجبين بالرئيس الراحل صدام حسين؛ تنتشر الشائعات بأنه حي يُرزَق (فمن جرى اعدامه هو شبيه الرئيس لا الرئيس نفسه!) تدور دعاية الأوساط البعثية ـــ الصدامية على أن «الحزب»، لا «الدولة»، هو الذي يشكل القيادة والقوة الرئيسية في التمرد في العراق. وهم ، بالطبع، لا يستنكرون «داعش» وجرائمها الوحشية، بل يهوّنون من حضورها وقوتها، ويتغاضون عن ارتكاباتها.

إلى جانب هؤلاء، هناك الإخوان المسلمون بالطبع، أعداء البعثيين تقليديا، إنما حلفاؤهم في الحرب العراقية الدائرة الآن؛ وبالنسبة إلى أعضاء التنظيم الاخواني السرّي المحتشد بالإرهابيين، أرجح انتقالا من «النصرة» إلى «داعش».

الحلقة الثالثة، ليست صلبة، لكنها واسعة نسبيا، تلك التي تنظر إلى «داعش» باعتبارها القوة التي انتقمت، وشفت الغليل، مما حدث لـ«أهل السنّة» من مظلومية منذ الاحتلال الأميركي للعراق، عام 2003.

مع جمهور كهذا، يشعر المرء بالحيرة إزاء درجة الانحطاط الغرائزي، لكنه يستعيد لحظات سابقة، كانت جارحة جدا، أبلغها المشهد الانتقامي البشع لإعدام صدام حسين، صبيحة عيد أضحى، وتصويره، وبثّه على الفضائيات؛ حذّرنا، وقتها، الأصدقاء في المقاومة، لكن تلفزيون «المنار» هو الآخر بثّ ذلك المشهد الجارح المهين. هناك شيء لم يفهمه أو لم يرد فهمه أحد من القوى «الشيعية»، طوال العقد الماضي:

صدام حسين ـ بكل ارتكاباته ـ كان قد أصبح، منذ 1990، رمزا للسنّة في العراق والبلدان العربية، زعيما معاديا للغرب وبطلا؛ وما كان ممكنا، على الإطلاق، لجم الهوس الطائفي، ولاحقا التكفيري، بمحاكمته والانتقام منه وإعدامه، وتحويله إلى نبي ـــ شهيد، وإنما من خلال المصالحة التي لم تحدث لا معه، ولا مع قوى نظامه، ولا مع جمهوره العراقي، وتاليا العربي.

منذ ما قبل الموصل، ثبت أن استراتيجية ادماج قيادات عربية سنية تتخطى رمزية صدام حسين، في النظام الجديد في بغداد، بلا قيمة ولا نتيجة؛ فهؤلاء الآتون إلى محاصصة الحكم من فوق الجمهور الصدامي، ظلوا هامشيين، يتعرضون للضغط من القواعد، ويبتزّون الشريك الشيعي، ويعرقل الشريكان، بالفساد، إعادة بناء الجمهورية.

الآن، وبينما تواجه بغداد همجيّة «داعش» وخطر تقسيم العراق، ها هم الشركاء السنة في العملية السياسية… يفرّون إلى عمّان؛ 200 من أعضاء النخبة السنية العراقية هربوا حتى الآن إلى قصورهم وفللهم المعدّة وفنادق الخمس نجوم في الأحياء العمّانية الراقية، منهم، حسب التسريبات الصحفية، 42 نائبا في برلمان المحاصصة، و7 وزراء و17 موظفا كبيرا ولفيف من قادة العشائر ورجال الأعمال. وهي الدفعة الأولى بالطبع؛ شركاء المالكي السنّة يتركونه في مواجهة «داعش» والبعثية النقشبندية!

في النهاية، يمكن، وينبغي عدم التسامح في كسر «داعش» وحلفائها، لكن كسر سنّة العراق بالقوة، لن يوحّد البلد، بل سيشرذم العراق، وينقله إلى حرب جديدة مع الأكراد لاسترداد كركوك المسروقة في الغفلة؛ المطلوب الآن مصالحة عراقية لا تستثني أيا من القوى بلا محاصصة ولا طائفية ولا فدرالية، بل على أساس الشروع في بناء الدولة الوطنية المدنية التي لا تعترف بالطوائف ولا بالقوميات، بل بالمواطنين والمواطنات.