IMLebanon

«داعش غيت»

 

هل سقط فعلاً الشرق الأوسط الجديد؟ هل فعلاً نجح الممانعون في درء مشاريع «الشيطان الأكبر» التقسيمية عن المنطقة وشعوبها؟ منذ العام 2006 يخوض محور الممانعة حرباً باردة ضد المشروع الأميركي في المنطقة. مواجهة خيضت في لبنان والعراق بالوكالة وتبين في ما بعد أنها لا تهدف الى ما كانت تروّج له الماكينة الدعائية للممانعة. هدفها الرئيسي كان ولا يزال الشراكة وليس حماية المنطقة وشعوبها من التفتت والتقسيم والهيمنة الأميركية.

تريد طهران صكاً من الولايات المتحدة، اعترافاً بأنها القوة الأساس في المنطقة، واعطائها مفاتيح بلدان وشعوب المنطقة. تماماً كما التجربة السورية في لبنان على مدار 15 عاماً. منذ العام 1990 الى العام 2005 حكمت الوصاية السورية لبنان، بتفويض أميركي، ومن دون أي عناء يذكر. تضع مرجعيات قم أمام أعينها التجربة السورية. لم تخض إيران أصلاً مواجهة جدية مع «الشيطان الأكبر». والأداء السياسي الإيراني كان، وإن فيه رفعا للسقوف، مقايضات واضحة من أجل تحقيق الصفقات المطلوبة.

لا شك في أن الحدث العراقي سحب بساط الاهتمام من تحت أقدام سوريا. تقدم المشهد العراقي الى الأمام. في الشكل هو ضربة للمحور الممانع، وتأكيد على مظلومية ترى شعوب المنطقة أنها لاحقة بها نتيجة الهيمنة الإيرانية وأخطاء مندوبيها في العراق ولبنان وسوريا.

الأهم أن ما جرى ويجري في العراق أثبت ان الولايات المتحدة الأميركية تتعاطى مع ملفات المنطقة باستهزاء واضح. لا تريد واشنطن العودة الى دوامة العنف. تقف على بوابة الشرق الأوسط. تسعى الى تحقيق اهدافها من أمنها الخاص الى أمن اسرائيل وصولاً الى النفط، لكن من دون دفع الفاتورة.

لا ترى واشنطن في الصراع السني الشيعي أي أهمية تذكر، إلا من مبدأ من هو الأصلح والأقدر على تحقيق أهدافها في المنطقة. حليف شيعي متشدد يمكن التحاور معه أو حليف سني متطرف لا يمكن التحاور معه وبناء الصفقات. بينهما تختار واشنطن إيران على «داعش» وأخواتها. أصلاً ايران تدرك جيداً كيفية التسويق لنفسها ولنهجها ولصفقاتها بشكل عام.

رغم ان ما حصل في العراق يتخطى «داعش» الى ثورة مسلحة فعلية ضد نظام تسلط تحت ستار «ديمقراطية وهمية»، إلا أن الإرتدادات لن تصيب سوى سنة العراق وسنة سوريا وربما سنة المنطقة. «داعش» التي اكتفت بالسيطرة على الموصل هي أصلاً صنيعة إيرانية صرفة. منذ انشائها كانت تدور في الفلك السوري الإيراني، بعد أن اعطى النظام السوري لقيادييها الحرية والتمويل والتسليح.

يكفي تتبع تجربة «داعش» في سوريا للدلالة على ذلك. الى اليوم لم تخض معركة واحدة ضد النظام السوري. المناطق التي تسيطر عليها في الرقة ودير الزور شهدت عملية تسليم وتسلم بينها وبين النظام.

أبعد من ذلك أصبح معلوماً أن المعارك التي تخاض في سوريا من قبل «داعش» هي لمواجهة الجيش الحر وفصائل المعارضة حكراً.

الأخطر يكمن في الأيام المقبلة. سيطرة «داعش» على أموال مصرف الموصل وعلى ذخيرة نوعية متطورة، ونقلها الى سوريا، يشير الى أن معركة «داعش» ليست في العراق. يبدو أن التنظيم الإرهابي حقق هدفه، وأدى دوره، في تشويه صورة الحراك العراقي المعارض وسحب ما غنم من اموال وأسلحة الى الساحة السورية. ما غنمته في سوريا سيوضع قريباً في وجه الجيش الحر وليس النظام. ومن المؤكد أنه سيقلب موازين القوى ضد الجيش الحر الذي أصبح مطوقاً من قبل النظام السوري و«داعش» وفي ظل غياب الدعم والتسليح العربي الغربي.

حتى في العراق وإيران، حققت «داعش» وظيفة أخرى. كان البعض يراهن على خلاف عقائدي تاريخي بين ما يسمى «شيعة العرب» الذين يقولون بمرجعية كربلاء، وبين ما يسمى «شيعة فرس» يقولون بالولاء لقم ومرجعياتها. هذا الخلاف الذي ظهر في الفترة الأخيرة في العراق كان البعض يعول عليه من أجل إحداث خرق معين واعادة الثنائية الى الساحة الشيعية، لكن «داعش» قضت تماماً عليها، لتشهد في ما بعد توحداً بين المرجعيات الشيعية ودعوة شبه موحدة الى التطوّع والقتال تحت راية المالكي الذي كان قبل أيام مرفوضاً من قبل شريحة شيعية واسعة في العراق.

حققت «داعش» الكثير للممانعة على المدى الطويل. تعويم المالكي شيعياً في العراق، ودولياً طبعاً، قابله تعويم من نوع آخر للأسد. أصبح الثنائي المالكي الأسد حاجة دولية لمواجهة الخطر الداهم، وبينهما تقف إيران تنتظر قرب إنجاز المفاوضات النهائية حول برنامجها النووي. إنه حقاً شرق أوسط جديد إيراني أميركي.