الكلام الصادر بالأمس، وعلى عجلٍ، عن السفارة الأميركية بأنّ «أي تلميح بأن واشنطن قد يكون لديها أي دور بإنشاء داعش باطل والمزاعم المتداولة بلبنان التي تشير لعكس ذلك محض تلفيق»، ونفيَ السفارة الأميركية علاقة أميركا بتأسيس «داعش» نابع من خوف شديد واستعدادات أمنية كبرى لتأمين الحماية للمصالح الأميركية في الشرق العربي تزامنت مع الحديث عن موجة جديدة من الوثائق الفضائحية على نسق «وثائق ويكيليكس»، وليست «مفاجأة» غير متوقعة أن تكون «داعش» صنيعة الموساد الإسرائيلي والـCIA الأميركيّة، فالمسيحيّون والمسلمون عموماً والعرب خصوصاً يدركون حجم العبث اليهودي بالفريقيْن عبر التاريخ والدسّ الذي أدخل «تفسخات» غير قابلة للالتئام بين المذاهب الكنسيّة والمذاهب الإسلاميّة.
ولم يكن يوماً سرّاً الدور اليهودي في تأسيس الفكر الشيوعي ومنظومة الاتحاد السوفياتي، وليس سرّاً حجم الدّعم المادي الذي قدّمته الولايات المتحدّة وأعداد المرتزقة التي استحضرت من كل المنطقة العربيّة تحت عنوان «الأفغان العرب»، و»طالبان» الذين تحولوا لاحقاً إلى اسم آخر «تنظيم القاعدة» وفتحوا الطريق الأميركي باتجاه الشرق الأوسط بعدما فتح لها صدّام حسين بوابّة الخليج العربي.
سبق وكتبنا في هذا الهامش ومع اندلاع حرب غزّة، أن المستهدف الحقيقي من هذه الحرب هي «مصر» أولاً وأخيراً، المقصود إرباكها وإحراجها وإزعاجها وتهديد حدودها، وأنّ قطر وتركيا تتولّيان هذه المهمة القذرة عبر حماس الأداة المتنقّلة من يدِ مموّلٍ إلى آخر، والذين هاجوا وماجوا بالأمس وتوقفوا أمام ما كشفته وزيرة الخارجيّة الأميركيّة السابقة هيلاري كلينتون عن تأسيس أميركا لـ»داعش»، اكتفوا بالغرق في العنوان التأسيسي، ولم يكلّفوا خاطرهم أن ينقلوا الصورة على حقيقتها وأن المستهدف الحقيقي ـ بصرف النظر عن معركة الجيش اللبناني في عرسال ـ هي مصر، وأن الهدف من إنشاء «داعش» تقسيمها، وأن سقوط مصر وتقسيمها هو طريق أميركا لتنفيذ خارطة تقسيم الخليج العربي وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان.
وأميركا التي مُنيتْ بهزيمة منكرة هي وإيران وإسرائيل مجتمعين بعد إزاحة «داعش الإخوان» عن سدّة الحكم والسيطرة على مصر وبيعها في سوقيْ النخاسة التركي والقطري، فَعّلت سريعاً دور «داعش» في سوريا، وهي للمفارقة حليفة نظام بشار الأسد ونوري المالكي ونظام ولاية الفقيه في إيران، وحليفة كبرى لإسرائيل، فـ»داعش» كما «تنظيم القاعدة» لم يصدر عنه يوماً حرفاً واحداً عن إسرائيل، ولم تذكر في رسائل قياداتها بسوء!!
حدود ما يحصل في عرسال وحرب «داعش» على الجيش اللبناني، ليس أكثر من إمعان حزب الله في استنزاف الدولة اللبنانية وكيانها، واستنزاف لقدرات الجيش اللبناني، وحرفٍ للأنظار عن رسائل حماس المستنجدة بحزب الله لفتح جبهة الجنوب، وحرفٍ للأنظار عما يتكبّده حزب الله من خسائر تدمّر بنيته البشرية، فبدلاً من أن يُتابع اللبنانيون مشاهد وصور «جنازات قتلى حزب الله»، أُجلسوا ليتابعوا جنازات شهداء الجيش اللبناني، في مفارقة مروّعة ومدروسة بدقّة وعن سابق تصوّر وتصميم.
أمرٌ واحدٌ بعد نودّ أن نسوقه هنا، ونحن مدركين أنّ نهاية هذا المشهد الدموي في المنطقة، هو خارطة جديدة وحدود جديدة لدولٍ مذهبية وعرقية وقوميّة ودينيّة ستتكرّس متناحرة مُتذابحة فيما بينها، في انتظار إعلان «الدولة اليهوديّة» وما نشاهده ليس إلا حربٌ بالمفرّق لو أحصينا فيها عدد القتلى منذ العام 1990 لوجدناه يفوق عدد الضحايا في الحربيْن العالميتيْن الأولى والثانية!!