أبدى سياسي مخضرم استهجانه واستغرابه لسوء تصرف وسلوك أحزاب ونواب وتيارات حيال مصير لبنان إذ انهم يرون “داعش” واخواتها على ابوابه وهم يختلفون على من يتولى حراستها ثم يتساءلون من أين دخل الأعداء… ويشترطون التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية من دون ان يضعوا آلية تحسم الخلاف عندما يتعذر التوافق. وهم يطلبون الشيء ونقيضه ليغرقوا لبنان في أزمات لا خروج منها الا بتدخل خارج يكون له مصلحة في تدخله.
وذكر السياسي نفسه على سبيل المثال بأن هؤلاء رفضوا التمديد للرئيس سليمان ولم يتفقوا على انتخاب رئيس خلفاً له فكان الشغور الرئاسي، واختلفوا على قانون جديد للانتخابات النيابية على أساسه، ويرفضون اجراءها على اساس القانون الحالي كما يرفضون التمديد لمجلس النواب لأن هذا غير شرعي فيقع الفراغ المجلسي… ويعطلون نصاب جلسات انتخاب رئيس للجمهورية مشترطين معرفة اسم الرئيس المطلوب انتخابه خلافاً لما نص عليه الدستور بأن يتم انتخاب الرئيس بالاقتراع السري من بين المرشحين المعلنين وغير المعلنين، ثم يتباكون على حصول الشغور الرئاسي الذي هم سببه وهم المسؤولون عنه، أما لغاية في النفس أو خدمة لخارج مرتبطين به لا بل مرتهنين له. ويرفضون ايضا تشكيل حكومة من مستقلين وتكنوقراط تتولى موقتاً وبالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية وتكون منتجة بانسجامها وتجانسها ويصرون على تشكيل حكومة من اضداد لا انسجام ولا تجانس بين اعضائها لتبقى هذه الحكومة على كف عفاريت الخلافات والانقسامات وتعطيل اتخاذ القرارات المهمة وفيها ما يتعلق بأولويات الناس ليظل اللبنانيون يعيشون حالة خوف وقلق ويضعون ايديهم على قلوبهم صباح كل يوم كلما اجتمع مجلس الوزراء فيسمعون ان خلافاً حصل بين الوزراء حال دون الاتفاق على ما يهم الوطن والمواطن، ويشكر الناس الله على ان هذا الخلاف لم يذهب بالحكومة فيقع الفراغ الحكومي بعد الفراغ الرئاسي والفراغ المجلسي.
ويختلفون على قانون للانتخاب لاجراء انتخابات نيابية على اساسه ويرفضون اجراءها على اساس القانون الموجود ليواجهوا مشكلة التمديد لمجلس النواب مرة بعد مرة ما داموا غير متفقين على القانون الذي ينبغي ان يكون على قياس هذا الطرف او ذاك وليس على قياس لبنان ومصالحه العليا تحقيقاً للانصهار الوطني وترسيخاً للعيش المشترك والسلم الاهلي ثم يختلفون على التمديد او عدم التمديد للمجلس بحجة أن التمديد غير شرعي وينسون انهم مددوا مثلا للمجلس ليجدوا انفسهم امام حل هو أبغض الحلال، وهو التمديد الذي تفرضه الضرورة وهو الاقل سوءاً وضرراً من الفراغ المجلسي.
ويتساءل السياسي المخضرم وهو يردد القول “ليتك لم تزن ولم نتصدق” لماذا يبقى السياسيون والنواب حتى اللحظة الاخيرة من موعد الاستحقاقات ليصبحوا أمام خيارات صعبة: إما اجراء انتخابات على أساس القانون الموجود أو التمديد للمجلس او رفض التمديد فيكون الفراغ، ولماذا لم يبادروا من قبل الى الموافقة على مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية بحيث تطرح كل المشاريع المقترحة على مجلس النواب لدرسها واقرارها توافق عليها الاكثرية اذا تعذّر التوافق بين القوى السياسية الاساسية في البلاد لأن كلا منها يريد ان يكون القانون على قياسها ويضمن فوز اكثرية مرشحيها في الانتخابات؟ فهذا الامر ليس جديداً في تاريخ لبنان اذ في كل استحقاق انتخابي يوضع قانون جديد ويحصل خلاف على تقسيم الدوائر فجربت الدائرة الفردية والقضاء والمحافظة، ومزيج بين قضاء واكثر لأن كل حزب او تكتل يهمه معرفة النتائج قبل الانتخابات ليوافق على المشروع أو لا يوافق عليه…
الواقع ان سياسة التوافق المعتمدة منذ العام 2005 عطلت كل شيء في غياب الآلية التي ينبغي اعتمادها لحسم الخلافات عند تعذر التوافق. فلا انتخاب رئيس للجمهورية اذا لم يحصل توافق ولا قانون انتخاب اذا لم يحصل توافق ولا حكومة يتم تشكيلها اذا لم يحصل توافق، ولا مواضيع مهمة يمكن اقرارها اذا لم يحصل توافق…
لقد لحظ دستور الطائف مادة تحدد المواضيع التي يحتاج اقرارها الى توافق حتى اذا تعذر ذلك فبتصويت اكثرية الثلثين في مجلس الوزراء، وفي مجلس النواب. لكن سياسة التوافق التي تعتمد حاليا كبديل من الديموقراطية العددية التي تبين انها لا تطبق في ظل الطائفية لم تحدد آلية تعتمد عند تعذر التوافق سوى مواجهة التمديد او التعطيل او الفراغ…