IMLebanon

«داعش» وإسرائيل والمنطقة

 

حين وصف الأميركيون في تصريحاتهم المختلفة أن حركة داعش تشكل خطراً على الإقليم في الشرق الأوسط، فمن الطبيعي أن تكون إسرائيل في مقدمة الدول المستهدفة بهذا الخطر. وذلك لسببين اثنين:

أولهما إيديولوجي يتعلق بالحركة نفسها ومشروعها السياسي ـ الديني في المنطقة، أي قيام دولة الخلافة وفقاً لرؤية فقهية خاصة بالحركة تتصادم وكل الدول العربية في المنطقة دون استثناء.

الثاني أن صون أمن إسرائيل ما زال يشكل الهدف الأول والثابت الدائم للسياسة الأميركية في المنطقة. لذلك إذا كانت الولايات المتحدة تهتم بتوفير الأمن والاستقرار في إقليم الشرق الأوسط انطلاقاً من مصالحها في هذا الإقليم، فإن رغبة وحرص الولايات المتحدة على توفير الأمن والاستقرار لإسرائيل بالذات، وتوفير كل احتياجاتها العسكرية والاقتصادية الضرورية لمثل هذا الأمن وهذا الاستقرار، يقعان في مقدمة اهتمامات واشنطن في الشرق الأوسط.

في هذا السياق من المتوقع أن نشهد في الأيام القادمة مشاورات أميركية ـ إسرائيلية، على مستوى الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية والسياسية المختلفة، للوصول إلى قراءات مشتركة للتطورات الخاصة والمفاجئة في العراق، وللتوقعات المستقبلية، لمثل هذه التطورات، على مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل بالذات.

ونعتقد أن مسألتين رئيسيتين سوف تقعان في صلب اهتمام المباحثات الأميركية ـ الإسرائيلية.

– المسألة الأولى هي مصلحة الطرفين في الحفاظ على الكيانات السياسية العربية، وعلى الأخص، في الحفاظ على جيوش هذه الكيانات وعدم التفريط بها.

قد يكون في هذا الاستنتاج ما قد يتعارض مع الرؤى الأيديولوجية الإسرائيلية التي ترى في الدول العربية المجاورة، وترى في جيوشها خطراً على أمنها، خاصة إذا ما طرأ على بعض هذه الدول تطور مفاجئ خارج إطار المتوقع سياسياً. لكن الواقعية السياسية التي تتحلى بها السياسات الإسرائيلية، والواقعية البراغماتية التي تتحلى بها السياسات الأميركية، تقودنا إلى أن الطرفين سيكونان معنيين بالسؤال عن مصير الدول العربية المجاورة، وبالتالي عن مصير الأمن الإسرائيلي، ومصير المصالح الأميركية إذا ما انهارت بعض الدول العربية أمام اجتياح مفاجئ لها على يد داعش (أو من هو على شاكلة داعش) على غرار ما جرى في الموصل وصلاح الدين في العراق.

وإذا ما أخذنا تجربة شبه جزيرة سيناء كنموذج، نلاحظ أن إسرائيل لم تعارض إلا شكلياً دخول قوات مصرية إلى هذه المنطقة، في تجاوز لمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، ما دامت وظيفة هذا التدفق ضرب القوى الأصولية والسلفية التي نشطت في سيناء، بعيد الإطاحة بحكم محمد مرسي والإخوان المسلمين في القاهرة، وكل المعلومات تؤكد أن الولايات المتحدة لعبت وسيطاً ناجحاً بين القاهرة وتل أبيب، ساعدت على الوصول إلى مثل هذا التفاهم الأمني، والذي يراه الأطراف الثلاثة في خدمة الأمن والاستقرار في الإقليم.

لا بل ذهبت إسرائيل أبعد من ذلك حين صمتت على المساعدات العسكرية الأميركية الطارئة للقاهرة، خاصة في سلاح المروحيات وسلاح الطيران الحربي، إدراكاً منها أن هذا سيصب في تعزيز قدرة الدولة المصرية على ضبط الأمن والاستقرار وإعادة الهدوء إلى ربوع مصر.

لذلك إذا كانت تل أبيب تتهم بعض الأنظمة العربية بعرقلة الوصول إلى سلام شامل في المنطقة، وإذا كانت ترى في هذه الأنظمة خصماً لها، فإن الوقائع المتسارعة ستدفع بتل أبيب للتمسك بهذه الدول باعتبارها البديل الأفضل لما تقدمه داعش (ومن هو على شاكلة داعش) من نماذج سياسية وإيديولوجية تشكل خطراً على الوجود الإسرائيلي.

المسألة الثانية هي العملية السياسية مع الفلسطينيين. لقد دأبت إسرائيل على التأكيد على ضرورة تواجدها العسكري لأبعد مدى زمني ممكن عند الحدود الأردنية ـ الفلسطينية، وحجتها في ذلك التصدي لما تسميه الخطر القادم إليها من الشرق. كان الخطر في وقت سابق هو الجيش العراقي في زمن الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ثم تحول هذا الخطر ليصبح القوى الأصولية والسلفية في العراق وغيره.

ونعتقد أن التطورات المفاجئة في العراق سوف تعزز التمسك الإسرائيلي بحق جيش تل أبيب في الانتشار عند الحدود الفلسطينية الأردنية. وبيد إسرائيل هذه المرة أكثر من ذريعة.

– أولها التطورات الراهنة في العراق وسرعة انهيار الجيش العراقي في بعض المناطق.

– الثانية الخارطة التي وزعتها داعش ترسم فيها حدود الدولة الإسلامية في العراق والشام وقد شملت فلسطين التاريخية، بما في ذلك إسرائيل الحالية.

– الثالثة التظاهرات التي انطلقت مؤخراً في جنوب رفح الفلسطينية تأييداً لداعش وانتصاراتها في العراق.

– الرابعة البيان الغامض الذي صدر في الضفة الفلسطينية ويعلن مسؤولية داعش عن خطف المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة (!). وحتى ولو وصل المراقبون إلى استنتاج أن هذا البيان مفبرك، ونفوا وجود داعش في الضفة، أو وجود خلايا عسكرية لها باتت قادرة على تنظيم عملية متطورة تصل إلى حدود خطف ثلاثة مستوطنين دفعة واحدة، فإن صدور البيان، بحد ذاته سيشكل بالنسبة لإسرائيل (وكذلك للسلطة الفلسطينية) علامة خطرة.

وبالتالي فإننا نعتقد أن خلط الأوراق هذا، إن على صعيد المنطقة، حيث التخوف من داعش، أصاب قوى سياسية محلية وإقليمية ودولية، فيما بينها تناقضات وتباينات سياسية، أو على صعيد العلاقات الإسرائيلية ـ العربية، أو العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية… خلط الأوراق هذا، يدعونا إلى إعادة قراءة المشهد السياسي، ليس تحت وطأة الرعب من تقدم داعش، كما حاول بعضهم أن يفعل، وإنما في سياق محاولاتنا قراءة كيف ستستفيد الأطراف السياسية، المحلية والإقليمية والدولية، كل من موقعها، من تحركات داعش، وتعزيز موقعها السياسي ومصالحها الإستراتيجية، وحتى التكتيكية، تحت دعوى التصدي للإرهاب الذي تشكله داعش في العراق وفي المنطقة العربية. ونعتقد أن الوصول إلى مثل هذه القراءة تحتاج إلى حيوية في الرؤية، تتجاوز إلى حد بعيد حيوية لعبة شطرنج شديدة التعقيد.