IMLebanon

«داعش» والجسر المقطوع!

 

تقدّم الأحاجي العراقية المتسارعة واحدة من أبرز المفارقات والغرائب: قطعت الأُحجية الأكبر المسماة «داعش» في ليلة واحدة الجسر الذي دفع الإيرانيون على مدى عشر سنوات الغالي والنفيس لإقامته من طهران الى الضاحية الجنوبية لبيروت!

عشر سنوات لا سابق لها، بدأت بسقوط نظام صدام حسين وانتهت بترنّح نظام المالكي، وشهدت أكبر وأخطر وأهم استثمار إيراني في المنطقة على مدى تاريخ هذه المنطقة.. لكن في اللحظة التي بدا أن ذلك القوس الامبراطوري اكتمل شدّه جاء من جاء باسم «داعش» وكسر النشّاب وعطّل الوتر والإطلاق!

عشر سنوات كانت كافية لتمظهر خارطة النفوذ الإيراني الى حدٍّ سمح لبعض أرفع قادة «الحرس الثوري» بالحديث بوضوح عن اعتبار جنوب لبنان حدود إيران! واعتبار معركة بقاء بشار الأسد معركة «حياة أو موت» للجمهورية الإسلامية نفسها! ومعركة «تمديد» رئاسة المالكي استراتيجية حتى لو كانت تعني عدم الاكتفاء بتحطيم شراكة المكوّن السنّي بل إشعال النار حتى في تلابيب المكوّن الشيعي نفسه!

.. ثم فجأة (!؟) ينقلب عاليها سافلها. نام المشرقيون (والعالم بأسره) على واقع وأفاقوا على آخر مختلف تماماً: إذ بالمعركة التي أُريد لها أن تنحصر في سوريا وأن يكون العراق رأس حربة فيها من جهة الشرق و«حزب الله» من جهة الغرب، تتمدد الى العراق نفسه وبطريقة مسرحية لا يُعرف تماماً الفرق فيها بين العبث والجدّ، والواقع والخيال!

والقراءة البسيطة للخريطة الجيوسياسية المستجدة توصل إلى استنتاج مركزي وحسّاس: صحيح أن سوريا واسطة العقد في البنيان الإيراني، لكن الأصح هو أنَّ العراق أساس ذلك العقد! والزلزال الذي ضرب في الأنبار ستصل تردداته الى شعاع يمتد من طهران نفسها الى الضاحية الجنوبية لبيروت.. والخطورة المشعّة والواضحة تكمن في وعي حقيقة أن المسؤولية عن ذلك الزلزال تتوزع مناصفة بالعدل والقسطاس بين «الأعداء» (الداعشيون) من جهة وغرفة العمليات المشتركة الإيرانية الأسدية المالكية من جهة ثانية، بل تبدو أوزار ومسؤوليات هذه أكبر وأشمل: افترضت أن «تعزيز» مقولة الحرب ضد «الإرهاب التكفيري» في سوريا سيعينها في حربها ضد الشعب السوري.. بل هي وصلت في الآونة الأخيرة تحديداً، وبعد إعادة «انتخاب» «الدكتور» الأسد الى بدء حصد نتائج زرعها ذاك، بل أخذت في توزيع الطبول وتعميم أناشيد الانتصار!

.. ومن باب المناكفة كما من باب الواقعية في القراءة والاستنتاج، يفيد التذكير بأن أبرز الحجج التي وزّعها «حزب الله» لتبرير قتاله الى جانب الأسد ضد شعب سوريا، كانت أنه يذهب الى هناك لمنع «التكفيريين» من الوصول الى لبنان.. عال! وصلوا الآن الى العراق أو بالأحرى عادوا فهل سيلحق بهم؟!