IMLebanon

“داعش” يذبح والأسد و”حزب الله” مستفيدان

على أي مذبح تُراد التضحية بالعسكريين الأسرى، ومن أجل ماذا؟ هيبة الدولة أم هيبة “حزب الله”؟ قد يكون السؤال معيباً، والمعيب أكثر ألا يكون الجواب مقنعاً للبنانيّين. وإذ يقال لا هيبة لمن لا يُطاع، فلبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي لا يحترمها حزب واحد مسلّح رغماً عنها، بل يتطاول عليها وهو يشارك في حكومتها. لم يطع سياستها بل أفتى لنفسه بإرسال جيشه الى القتال في بلد آخر، ولم يبالِ بأمن البلد وسلامته ولا بتوطيد التعايش بين أبنائه. ومنذ “شهيده” الأول، قبل أكثر من عامين، حُذّر هذا الحزب من أن مغامرته في سوريا ستنعكس سلباً على مستقبل العلاقة بين البلدين والشعبين، بل ستخرّب الاستقرار الهشّ في لبنان نفسه. لكنه لا يعتبر أن من شأنه أو من مسؤولياته أن يهتم بنتائج تلك المغامرة.

أن يتحقّق هذا التخريب اليوم بأيدي إرهابيي “جبهة النصرة” و”داعش”، أو لاحقاً بأيدي آخرين، لا فرق، فهو حتمي. هناك عسكريون الآن في قبضة عصابة برأس مزدوج، أحدهما يفاوض والآخر يذبح، الأول يضبط النفس والثاني مستعجل، هذا يناور سياسياً ويسلّم المطالب والشروط وذاك يرسل الجثث مقطوعة الرأس. وكلاهما يلعب على وتر فتنة اشتعلت احتقاناً في الشارع وتعدّيات على النازحين وبذاءات مذهبية على المواقع. أما الأدهى ففي استخدام إرهابية التنظيمين ووحشيتهما لإقصاء أي ارتباط لما حصل ويحصل بتورّط “حزب الله” في سوريا، أو لتسفيه أي مقارنة بين التنظيمين والحزب. لكن الأمور تقاس بتداعياتها على حياة الناس وأمنهم. فكما أن التنظيمين يبحثان عن استفادة قصوى من أسر العسكريين، كذلك يحاول الحزب توظيف الحدث لمأرب آخر قد يكون مرتبطاً بمشاركة الجيش في الصراع في القلمون، أي لدفع الحكومة إلى خيارات سياسية لا تريدها ولحشرها كي ترتمي في أحضان النظام السوري، إذا لم تستطع إنهاء قضية العسكريين بالتفاوض.

لم يمانع “حزب الله”، ولا نظام دمشق، مقايضة معتقلين سوريين بلبنانيين محتجزين في أعزاز، ولا أحبطا المقايضة لتحرير راهبات معلولا، لكنهما يرفضانها الآن بالنسبة إلى العسكريين سعياً إلى إرباك الحكومة وإحراج الجيش وتأجيج الانقسام. لا جدال في أن عدم الرضوخ لابتزاز الارهابيين موقف مبدئي سليم، لكن لم يمض وقت طويل على اضطرار دول عربية عدة أكثر تماسكاً من لبنان (مصر والاردن وتونس) لإجراء مقايضات انقاذاً لأبنائها المأسورين. وبالنظر الى طبيعة تنظيم “داعش” ورفضه “قواعد التفاوض” التي يقترحها الوسطاء، يصعب تصوّر نهاية للمحنة من دون تبادل للأسرى. فعندما أشيع أخيراً أن المفاوض “القطري” عاد بـ”اتفاق” على تجميد لتصفية الجنود، إذا بـ”داعش” يعلن عن ذبح آخر. ألا تكفي تضحية عباس مدلج، بعد علي السيّد؟