أطلق العماد ميشال عون اشارة أولى تشي بأن حظوظه في الرئاسة هبطت عما كانت، أو كما كان يتصوّرها، قبل أسابيع. لكنها اشارة بمثابة انذار، فالجنرال لن يستسلم بسهولة، وسيذهب الى أقصى حدّ في ازعاج الخصوم، بعدما اكتفى بالتعبير تلميحاً (في مقابلته التلفزيونية الأخيرة) عن امتعاضه من الحلفاء، اذ لم يشعره هؤلاء بأنهم يتعاملون مع ترشيحه على أنه خيار استراتيجي، ولم يكن تأييدهم له رئيساً واضحاً كتأييد بشار الاسد.
كان يقال في تحليل العوامل المرجّحة لانتخاب عون، أو لاختياره مرشّحاً “وفاقياً”، إن الوضع الاقليمي المضطرب يتطلّب شخصية تستطيع ضمان الاستقرار الداخلي وإعادة الهيبة الى الرئاسة والتوازن الى النظام، فيما تمثّل تناغماً مع الأمر الواقع الناتج من “انتصار” النظامين السوري والايراني في سوريا. ولئلا تشكّل هذه الشخصية استفزازاً للطرف الآخر، وبالأخصّ للسعودية، كان من المستحسن أن ينخرط عون في حوار مع سعد الحريري. ورغم أن الحوار أوضح لعون أبعاداً كثيرة كان يتجاهلها، بل نجح شكلاً ومضموناً الى حد كبير، إلا أنه لم يتوصّل الى النتائج التي توخّاها الجنرال.
ما تغيّر وأساء الى حظوظه هو، تحديداً، هذا الوضع الاقليمي. فـ “الانتصار” الذي حققه الايرانيون و”حزب الله” في سوريا لا يستطيع الاسد صرفه إلا في اعادة انتاج نظامه المتعفّن، لكنه انتصار عجّل عملياً بانهيار نظام نوري المالكي الذي أقامه الايرانيون تكريساً لنفوذهم في العراق. وطبعاً، كان لظهور تنظيم “داعش” وصعوده “في العراق والشام” أكبر الأثر في تأجيج الصراع الاقليمي المدوّل، وصارت الأولوية لمحاربة الارهاب، في عموم المنطقة ومنها لبنان. وإذ أصبح “داعش” تلقائياً أحد “الناخبين” الاقليميين فقد تبدّلت معطيات الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
وكما تأخر عون كثيراً في تظهير صورته كـ “رئيس وفاقي”، كذلك في الحوار مع الحريري، فإنه تأخر أيضاً في طرح ما سماه “مبادرة انقاذية” سواء لانتخاب الرئيس باقتراع شعبي “على دورتين” (أولاهما مسيحية حصرياً والثانية أريحية لا تمانع مشاركة المسلمين في الاختيار)، أو لقانونٍ جديدٍ للانتخاب تختار فيه الطوائف ممثليها تصحيحاً لـ “الخلل الميثاقي” الذي يرى أنه أضرّ بالمسيحيين ما دام العديد من نوابهم يعتمدون على المسلمين لترجيح انتخابهم. بمعزل عن هوس الفكر والمنطلقات، تحتاج هذه “المبادرة” الى حوار وطني ما دامت تقترح “تغييراً للنظام”، كما أنها تتعامل مع الأزمة الراهنة بـ “طرح تعجيزي” (وفقاً لحزب الكتائب).
باختصار، كان انذار العماد عون واضحاً. إنه يلعب “صولد” ضد الحلفاء، فهذه هي لحظة قطف ثمار “وثيقة التفاهم”، وضد الخصوم، فإما أن ينتخب رئيساً وإلّا فلا رئاسة بل فوضى. فانظروا ماذا ترون، عدّلوا الدستور، غيّروا النظام، هاتوا قانوناً للانتخاب، احرقوا معراب وبكفيا و”بيت الوسط”، اصطفلوا، دبّروا حالكم…