الاتّفاق الحكومي على إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي وصلاحيات رئاسة الجمهورية دفعَ «حزب الله» إلى المطالبة بنقل التجربة الحكومية إلى المجلس النيابي، تحت عنوان «أنّ عمل السلطة التنفيذية لا يكفي لوحدِه في ظلّ تداخُل عمل السلطات وتكامُلِها، خصوصاً لجهة المشاريع واقتراحات القوانين التي تمسُّ المواطنين في مصيرهم ومعيشتِهم واستشفائهم»، ما يعني إعادة إحياء السجال التشريعي الذي برزَ مع الفراغ الرئاسي وتجَدّد على خلفية قانونية الإنفاق. وفي موازاة هذه الإشكالية بدأت قضية الانتخابات النيابية تستأثر بكلّ النقاش السياسي داخل الغرَف المقفلة، في ظلّ اتّجاهٍ واضح للتمديد للمجلس النيابي على قاعدة أنّه أهونُ الشرّين، إذا كان الخيار بين الفراغ النيابي والتمديد.
قالت مصادر سياسية متابعة لحركة رئيس مجلس النواب نبيه برّي إنّه أصبح على قناعةٍ تامّة أن ليس هناك في اﻷفق ما يشير إلى أنّ اﻹنتخابات الرئاسية ستحصل في المدى المنظور، طالباً من كلّ الفرقاء السياسيين أن يتعاونوا من أجل تفادي مزيد من الفراغ السياسي، خصوصاً في ما يتعلق بمجلس النواب، إذ إنّ برّي يُبدي أمام زوّاره تخوُّفاً من أن يؤدي تشبُّثُ جِهاتٍ بإجراء اﻹنتخابات النيابية في ظلّ الشغور الرئاسي، وَجِهاتٍ أخرى بإجراء اﻹنتخابات الرئاسية، إلى تعطيل أيّ قرار في هذا الإطار، إنْ كان في مجلس النواب أو في مجلس الوزراء، وبالتالي تعطيل خيارَي اﻹنتخابات أو التمديد، ما قد يوصِل إلى الفراغ النيابي. وأكّدت هذه المصادر لـ«الجمهورية» أنّ برّي يدرك صعوبة التوصّل إلى إجماعٍ في مسألة قانون انتخابات جديد، وهو لن يُغيّر من سياسته القائمة على اﻹجماع في هذا الموضوع، وبما أنّ اﻹجماع غير متوفّر أيضاً في قانون الـ 60 فإنّ صعوبة إجراء اﻹنتخابات على أساسه توازي صعوبة التوصّل إلى قانون جديد، وبالتالي ـ تقول المصادرـ إنّ رئيس المجلس ﻻ يُخفي في مشاوراته مع الكتل النيابية حديثَه عن خيار التمديد لمجلس النواب مجدّداً، كخَيارٍ سيكون مُتاحاً لتفادي الفراغ في مجلس النواب، إذ إنّ التمديد مرّةً ثانية للمجلس يَبقى أهونَ الشرّين في واقع قد يكون مفتوحاً على تطوّرات دراماتيكية.
جنبلاط والخليفة
وفي المواقف، سألَ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، هل المطلوب أن يتقدّم الجمهور اللبناني بمبايعةِ الخليفة الجديد، مع تطبيق ما قد يُرافق تلك المبايعة من طقوسٍ وسلوكيات وخطوات تتماشى مع التطوّر الحضاري القادم إلى بلاد ما بين النهرين، وذلك مع تعَثّر وتعطّل الاستحقاق الرئاسي اللبناني؟
وقال جنبلاط: «بانتظار أن يتواضع ويتنازل كبارُ القادة والفرقاء، بهدف التوصّل إلى تسوية رئاسيّة، هل يمكن أن نترك لبنان في مهَبّ العواصف الإقليمية فقط كي لا يتنازل هذا أو ذاك عن الترشّح للرئاسة الأولى»؟
من جهته، أكّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أنّ « قوى 14 آذار، ولا سيّما القوات اللبنانية قامت بكلّ ما يلزم تجاه انتخابات رئاسة الجمهورية، كي لا نصل إلى الفراغ الحاصل، لدرجةِ أنّنا طرحنا استعدادَنا لكلّ الاحتمالات والخيارات، وقلتُ إنّني لستُ متمسّكاً بترشّحي شخصياً إلّا بهدف إيصال شخص يحمل قناعاتنا بالحَد الأدنى، وعلى رغم كلّ ما فعلناه وكلّ الليونة التي أظهرناها، إلّا أنّنا للأسف لم نتوصّل الى إجراء الانتخابات الرئاسية».
وزير المال
وطمأنَ وزير المالية علي حسن خليل أمس إلى أنّ «الوضع المالي اليوم في البلاد مستقرّ، ووضعُ الخزينة جيّد، ولا مشاكل تتعلق بتأمين السيولة المالية أو الأموال، سواءٌ لدفع المعاشات والرواتب أو لتأمين الالتزامات التي على الدولة اللبنانية تأمينها وإنفاقها بشكل طبيعي وعادي ووفق الأصول».
إلّا أنّ خليل، وفي مقابل هذه الطمأنة، أثارَ قضية الصرف من غير مُسوّغ قانوني، من خلال سلفات الخزينة، وهو الأسلوب المعتمد منذ العام 2006 بسبب غياب الموازنات، وارتفاع حجم الإنفاق بما لا يتناسب والصرف وفق القاعدة الإثني عشرية.
ولكنّ وزير الماليّة الذي كان حاسماً لجهة تأكيده أنّه لن يصرف أيّ قرش على قاعدة السلفات لأنّها غير قانونية، فتحَ باب الحلول على مصراعيه حين أعلن عن استعداده لبحث تسوية شاملة لموضوع الصرف غير القانوني منذ العام 2006. وفي ذلك، إشارة الى الاستعداد لمناقشة ما كان يطرحه فريق 14 آذار، الذي يقول إمّا تسوية شاملة لملفّ الصرف من خارج الموازنة، أو لا تسويات.
الكهرباء مسؤولية المؤسّسة
واعتبرَ خليل أنّ بيان مؤسسة كهرباء لبنان الذي «يرمي مسؤوليّة عجز المؤسسة والقيام بواجباتها على المالية العامّة وعلى عدم تأمين اعتمادات، أمرٌ مرفوض جملةً وتفصيلاً، وغير صحيح وغير دقيق، وفيه تهرّب من المسؤولية الطبيعية لإدارة موضوع الكهرباء ككُلّ».
وأشار إلى أنّ «تأمين الكهرباء هو مسؤولية مؤسّسة كهرباء لبنان، والوزارة المعنية هي التي يجب ان تضع خطة وبرامج يتمّ على أساسها توزيع الكهرباء بالطريقة العادلة»، كاشفاً أنّ «وزارة المالية ومجلس الوزراء وافَقا على مشروع الاقتراح الذي تقدَّم به وزير الطاقة لتغطية العجز في المؤسسة لشِراء الفيول ولتسديد القروض».
وطالبَ خليل «بعَقد جلسة نيابية لاستجواب المؤسّسة والجهة المعنية حولَ المشاكل التي يتعرّض لها اليوم قطاع الكهرباء في لبنان، والعِبء الذي يُطاول المواطنين في المناطق كافّة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب».
أبي نصر
وسألَ عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب نعمة الله ابي نصر: «هل إذا عارضنا التشريع و»قعَدنا بالبيت» نخطو بذلك خطوةً إلى الأمام؟ إذا كنّا نفعل ذلك من أجل إحداث ضغط لانتخاب رئيس جمهورية، فإنّما نكون بذلك نضغط على الشعب.
وقال أبي نصر لـ«الجمهورية»: لا يمنع أن نشرّع في القضايا الضرورية التي هي فعلاً ضرورية، نحن لا نشرّع في قوانين رفاهية، بل نشرّع في قوانين ضرورية جداً، مثل دفع الرواتب وإقرار الموازنة، ودرس وإقرار قانون انتخابي جديد، طالما أعلنَ الجميع معارضتَهم قانون الستّين. ثمّ إنّ الموظّفين لا يستطيعون البقاء بلا طعام، وإلّا فلن يعملوا، وعدم دفع الرواتب سيؤدّي إلى شَلل عام في الإدارة. إذن، إدارة شؤون المواطنين تفرض حدّاً أدنى من التشريع. ثمّ إذا حان وقت دفع استحقاقات دوليّة تقتضي أن يجتمع مجلس النواب، فهل لا يجتمع؟»
وقيل لأبي نصر إنّ 14 آذار ترفض التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي؟ فأجاب: «هل ننتحر؟ لو كان هذا الرفض يؤدّي إلى ضغطٍ كافٍ لانتخاب رئيس لكُنّا نادينا بوقف التشريع، لكنّ مشكلة انتخاب الرئيس هي سياسية أكثر منها تشريعية.
«حزب الله»
من جهته، أثنى «حزب الله» على «توصّل الحكومة إلى صيغة أتاحت انطلاقَ العمل الحكومي في المسائل الوفاقية، لذلك علينا أن نتقدّم خطوة إلى الأمام ونطلقَ العمل في إطار السلطة التشريعية». وأيّد مساعي برّي الرامية إلى إطلاق عمل المجلس النيابي مجدّداً».
وتوجَّه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نوّاف الموسوي إلى الشركاء في الحكومة قائلاً: «كما تمَكنّا من إطلاق العمل التنفيذي، تعالوا لنعمل معاً من أجل إطلاق العمل التشريعي، لأنه لا يجوز في لبنان وقف التشريع تحت أيّ ذريعة، فكيف إذا كانت الذرائع غير قائمة على أيّ أساس دستوري، وهي تمَسّ المواطنين في حاجاتهم».
مجلس الوزراء
وفي هذه الأجواء يعقد مجلس الوزراء جلسةً بعد غد الخميس، وعلى جدول أعماله 13 بنداً جديداً، يُضاف إليها ما بقي من جدول أعمال الجلسة السابقة التي انعقدَت بتاريخ 3/7/2014 والبالغة 67 بنداً، ويُنتظر أن تكون منتجةً على صعيد الجامعة اللبنانية الذي يقع بنداً أوّلاً في الجدول الجديد، ويتضمّن الترخيص لجامعات جديدة وإنشاء فروع في جامعات خاصة قديمة، بالإضافة إلى مشروع التفرّغ لحوالى 1100 أستاذ من أساتذة الجامعة اللبنانية، ما لم تؤدِّ الكشوفات الجديدة على جداول الأساتذة والجارية منذ ما بعد ظهر أمس في وزارة التربية إلى اكتشاف ملفّات ناقصة لا تراعي المواصفات المطلوبة لحماية المستوى الجامعي.
وعلمت «الجمهورية» أنّ وزير التربية الياس بو صعب أجرى أمس اتصالاً بوزير العمل سجعان قزي الذي كان تحفّظَ في الجلسة السابقة على مشروع التفرّغ إلّا بعد الاطّلاع على مضمون الملف. وسيزور بو صعب اليوم النائب سامي الجميّل، بعدما وضع أمس اللوائح والملفّات بتصرّف وفد كتائبي ضمَّ مسؤولي القطاع الجامعي في الحزب من المجلس التربوي ومصالح أساتذة الجامعة اللبنانية من مختلف الاختصاصات الجامعية.
إلى ذلك، سينظر المجلس في جملة بنودٍ مختلفة، أبرزها التجديد الطبيعي للتراخيص التلفزيونية والإذاعية القائمة، وتجديد التراخيص لمجموعةٍ من تجّار أسلحة الصيد وفق المواصفات المعمول بها دولياً، وقضايا أخرى ماليّة وتجارية وإدارية.
مصدر وزاري
في غضون ذلك، أكّد مصدر وزاري بارز لـ»الجمهورية» أنّ الحكومة باقية، وليس من مصلحة أيّ طرَف اليوم هزّ هذه المؤسسة الباقية تعمل للحفاظ على الحَد الأدنى من السلطة التنفيذية في الدولة، في ظلّ شغور منصب رئاسة الجمهورية، والإشكال حول دور المجلس النيابي، أهو هيئة ناخبة أم هيئة تشريعية».
وفي السياق، كُشِف النقاب عن أنّ محاولات شتّى جرت خلال الأسبوع الماضي من أجل تجميد العمل الحكومي، لكنّها باءت بالفشل على الأقلّ مرحلياً، لا بل إنّ التوافق على مناقشة جداول أعمال مجلس الوزراء أكّد وجود مصالح مشتركة لكلّ مكوّنات الحكومة لكي تبقى تعمل في شكل طبيعي من دون طرح القضايا التي هي عادةً من شأن رئيس الجمهورية امتيازاً.
اللاجئون و«وثائق السفر»
وفي ملفّ اللاجئين السوريين، كشفَت مصادر مُطلعة لـ»الجمهورية» أنّ الإتصالات الجارية على أكثر من مستوى ديبلوماسي ودولي ستكون موضوع اللقاء المنتظر قبل نهاية الأسبوع لأعضاء «خليّة الأزمة الوزارية» الثلاثية التي ستجتمع قريباً في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمّام سلام وحضور أعضائها وزراء الداخلية والخارجية والشؤون الإجتماعية وعدد من المعنيين بالملفّ من ممثلي الهيئات الأمميّة والدولية.
وقالت المصادر إنّ الحديث الذي راجَ في الأيام القليلة الماضية عن إصدار «وثائق سَفر لبنانية « للسوريّين الراغبين بمغادرة لبنان ممّن لا يحملون بطاقات المفوّضية العامة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ولا أيّ هوية أخرى، بناءً لضغوط واتصالات أمَميّة ودولية، لم يصل إلى مسامع المَعنيين به بعد، وهي المديرية العامة للأمن العام، وبالتالي فإنّ الحديث عن ذلك مجرّد تكهُّنات.
وأكّدت المصادر أنّ المديرية مستعدّة لإعطاء «وثائق السفر» إلى مَن يفتقد هوية تُعرِّف عنه متى توفّرت لطالبها شروط محدّدة، وأبرزُها الموافقة المسبَقة للسفر أو العمل في أيّ دولة، سواءٌ أكانت أوروبية أو عربية، وهي من الأمور الروتينية التي لا يمكن حجبُها عن أحد.
وانتهت المصادر إلى الفصل نهائياً بين هذه الوثائق والحديث عن توطين السوريّين وما شابَه من الروايات المماثلة.