دعوة العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله بعد اجتماعهما إلى دعم الوحدة الوطنية ومنع الفتنة، كان ينبغي ترجمتها بالدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية مقبول من الجميع ليتمكن من درء خطر الارهابيين والتكفيريين بوحدة موقف ووحدة صف وكلمة، والاهتمام ايضاً بأولويات الناس، وأن يتحمل مع الحكومة مسؤولية ترسيخ الأمن في كل لبنان باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة.
الواقع ان الوقت هو لانتخاب الرئيس وليس لأي أمر آخر يثير الخلاف مثل تعديل الدستور والتمديد لمجلس النواب أو اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية.
ان انتخاب رئيس للجمهورية يتم بأحد أمرين: أما برعاية الدول الشقيقة والصديقة التي وفرت للبنان حتى الآن الأمن والاستقرار، أو بتفاهم سعودي – ايراني على انتخاب رئيس يبقي لبنان خارج صراعات المحاور، وإلا فلا تفاهم عليه إذا كان مطلوباً منه أن يكون مع هذا المحور أو ذاك، وإما أن يتفق القادة في لبنان على انتخاب الرئيس المناسب للوقت المناسب، يكون قادراً على جمع اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم حول أي لبنان يريدون، هل يريدون لبنان السيد الحر المستقل الذي تربطه علاقات جيدة بكل الدول ولا سيما المجاورة له باستثناء اسرائيل الى أن تعيد الحقوق كاملة الى الشعب الفلسطيني وتنسحب من الاراضي العربية التي تحتلها تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن؟ هل يريدون لبنان المحايد الذي لا يتورط في نزاعات أي دولة لئلا يدفع الثمن غالياً وقد دفع من جراء ذلك ما يكفي؟ هل يريدون لبنان الدولة التي لا سلاح غير سلاحها ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها، لبنان الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والازدهار؟ هل يريدون لبنان مصيفاً للعرب وبلداً للسياحة والاصطياف والاستشفاء والراحة، بلد العلم والثقافة، ومركز حوار الحضارات والاديان، والمصرف المركزي الذي تودع فيه الأموال براحة بال وتوظف لتنفيد المشاريع الانمائية والعمرانية بحيث تخلق فرص عمل جديدة تقضي على البطالة وتمنع الهجرة؟
ان الدول الشقيقة والصديقة إذا كانت تريد لبنان هذا، فما عليها سوى المساعدة على انتخاب رئيس للجمهورية وبتفاهم سعودي – ايراني، ومن دون انتظار تطور الازمات في المنطقة، ولا ربط هذا الانتخاب بها لأنها قد تطول ولا يقوى لبنان بوضعه الهش على الانتظار. أما إذا كانت هذه الدول مشغولة عن لبنان بأزمات المنطقة وبضرب “داعش” ولا وقت لديها للاهتمام بلبنان، فما على القادة فيه سوى أن يأخذوا على عاتقهم مسؤولية انقاذه، وهذا الانقاذ يبدأ بالاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لا أن يظلوا مختلفين على انتخابه باشتراط أن يكون قوياً ويمثل بيئته تمثيلاً صحيحاً، وبالاستمرار في تعطيل نصاب جلسات انتخابه ظناً منهم أنهم يستطيعون من خلال ذلك إيصال هذا الرئيس وهم لا يدرون أنهم بتعطيل انتخاب الرئيس يعطلون حتى وجود لبنان والجمهورية.
وعلى القادة أن يعلموا أنهم يتحملون مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي الذي يفتح الباب لخطر الفراغ الشامل المودي بلبنان الى الهلاك، وان الرئيس القوي هو الذي يكون مقبولاً من الجميع وليس ذاك القوي من طرف واحد. فمن الضرورة اذاً الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية قبل أن تنتهي الولاية الممددة لمجلس النواب ومواجهة مشكلة تمديد ثانٍ له يضع القادة أنفسهم امام الخيارات الصعبة لأنهم لم يحترموا أحكام الدستور. وهذه المشكلة تكمن في احتمال مواجهة الآتي:
اولاً: أن تقرر احزاب لها وزنها مقاطعة الانتخابات النيابية ليس لأنها تجرى على اساس القانون الحالي فحسب وهو قانون الستين غير العادل وغير المتوازن، انما تمسكاً بنصوص الدستور التي تدعو الى انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر، والمقاطعة تجعل نتائج الانتخابات غير شرعية وغير ميثاقية.
ثانياً: ان ترفض الاكثرية التمديد لمجلس النواب، فيصبح اجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين امراً محتوماً ويصير مطلوباً من القادة أن يختاروا ما بين شرّين: اما مواجهة الفراغ المجلسي بعد الشغور الرئاسي، واما القبول بانتخابات تجرى على اساس قانون الستين وقد لا تختلف نتائجها كثيراً عن نتائج انتخابات 2009 فتعود عندئذ الخلافات على انتخاب رئيس للجمهورية وعلى تأمين نصاب الثلثين الذي لا يستطيع تأمينه اي طرف لوحده.
الى ذلك، فلا حل الا بانتخاب رئيس للجمهورية اولاً ثم التمديد بضعة اشهر لمجلس النواب يتم خلالها وضع قانون جديد للانتخابات يكون عادلاً ومتوازناً تجرى الانتخابات على أساسه، وفي ضوء نتائج الانتخابات يتم تشكيل حكومة ترسم صورة مستقبل لبنان السياسي والأمني والاقتصادي وتشارك في رسمه كل القوى والفاعليات الأساسية في البلاد. فهل يقدم القادة على ذلك اذا كانوا مخلصين فعلاً لوطنهم وغير مرتبطين او مرتهنين للخارج؟ ان اجتماع عون – نصرالله لا يبشر بذلك…