عام 332 ق.م. عندما دخل الاسكندر المقدوني مدينة صيدا، بعد هزيمة الفرس الأولى في ايسوس (333 ق.م.) التي فتحت أمام جيشه الطريق الساحلي إلى مصر، كان حاكم المدينة الفينيقي الموالي للفرس قد ولى الأدبار، فأراد الاسكندر إعادة منه للمدينة هيبتها أن يقيم عليها ملكاً من أهلها فسأل عن ملكها السابق وكان اسمه «عبدولونيم» وكان قد أصبح طاعناً في السن فقيل له إنه يعمل في بستان قرب معبد أشمون (قرب مصب نهر الأولي حالياً). عندها ذهب الاسكندر للقائه هناك فوجده وراء المحراث يفلح الأرض، فترجل الاسكندر واقترب من الملك الطيب وسأله: أأنت ملك صيدون الذي خلعك الفرس؟ فأجابه عبدولونيم: نعم أنا هو. فقال له الاسكندر: أتقوم أنت بنفسك بحراثة الأرض؟ فأجابه الملك الصيدوني، نعم لأن أوضاعي قد ساءت فآثرت العمل في الزراعة وفي ذلك خير من الخضوع لإرادة الفرس.
هكذا أيضاً آثر ليل 24 أيار الجاري الرئيس الصالح المنتهية ولايته ميشال سليمان بإباء وكرامة ولا أنبل أن يغادر قصر بعبدا الرئاسي عائداً الى منزله في عمشيت بعد مراسم وداع بسيطة من دون صخب ولا ضوضاء ولا مظاهر مخادعة من السياسيين الذين يجيدون التملق وحمل المباخر وارتداء لكل يوم لبوسه. فأدركنا يومها نحن اللبنانيين أنه ما زال في لبنان رجال يملكون من أريج الأرز الخالد، ومن الصدق والأمانة والكرامة ونكران الذات والوفاء للوطن الصغير ما يبعث في نفوسنا الأمل بمستقبل واعد ولو بعد طول عناء ومعاناة مهما طال أمد الليل الحالك الظلمة الجاثم على صدورنا منذ سنوات.
في الـ25 بعد عودة الرئيس الصالح الشجاع البسيط الطوية الثاقب الرؤيا الأمين على الدستور الزاهد بإباء بكرسي الحكم، والذي ترفّع عن مشاريع التجديد والتمديد نطقوا في مهرجان بنت جبيل بما كانوا وما زالوا يضمرون للبنان ورئيس البلاد، وقد أصبحت البلاد بلا رئيس الآن: يريدون ليس رئيساً للجمهورية يخضع لإملاءات قوى الأمر الواقع فحسب، ويمتثل لإرادتها ومشاريعها ومخططاتها التي تجري صياغتها وحبكها في طهران والتي تمر في دمشق الخاضعة لإرادة التدمير والقتل والتصفية وبراميل المتفجرات وصولاً الى استخدام السلاح الكيماوي 14 مرة طبقاً لتقارير الأمم المتحدة منذ أيام. بل هم يريدون «ليس رئيساً يحمي المقاومة فحسب بل تحميه المقاومة هي نفسها». فالثالوث المزعوم الذي عملياً يلغي الدولة ومؤسساتها، والجيش الوطني ودوره في الدفاع عن أرضنا وترابنا وسيادتنا، ويمعن في تدمير مؤسساتنا الدستورية الواحدة منها تلو الأخرى، ويفرض بالقوة ومنطق السلاح غير الشرعي مرحلة الخواء والفراغ والتعطيل الشامل المدمر للحياة السياسية والاقتصاد الوطني ويقود البلاد الى الإفلاس المالي والإنهاك المعيشي والعوز والفقر والبطالة والبغاء والجريمة المنظمة ليتساوق لبنان مع المآسي المخيفة التي تعم العراق والحرب الإجرامية في سوريا.. يريد رئيساً مستسلماً لهذا المشهد الكارثي. ألا يعلم اللبنانيون، وهم يرون بأم العين أننا نسير إلى الكارثة. ماذا يقول الأهلون وهم يرون الامتحانات الرسمية قد تعطلت وأولادهم وقد أصبحوا بلا شهادات.
إن إعلان بعبدا الذي رعاه الرئيس الصالح الأمين، ميشال سليمان، قد طعنوه في الظهر، فأرسل حزب الله مقاتليه للدفاع عن الديكتاتور الدموي ونظامه الفاشي الرابض الجاثم فوق صدور الشعب السوري. فسياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة قد جرى اغتصابها علناً ابتداء بالقاهرة (جامعة الدول العربية) وانتهاء بجنيف2 فلا خَفَر ولا حياء بل استخفاف متمادٍ بلبنان وشعبه ومصالحه، وكيدية مهينة استهدفت الرئيس الأمين الذي ظل على طول امتداد ولايته يرى وطنه يهوى الى لجج البوار والعجز المالي والفضائح والإفلاس.
ثم إذا ببدعة جديدة تستهدف الدستور والعيش المشترك بعد إفلاس قانون الانتخابات الأرثوذكسي المشبوه: المؤتمر التأسيسي والدعوة إلى المثالثة وكأن الدروز وهم طيف أساسي في تكوين لبنان وديمومته لم يعد لهم وجود قط. إنهم يغتالون دستور الطائف علناً وجهاراً فكأنّ كل ما ساهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري بإنجازه لوقف الحرب الأهلية العبثية عندنا يجري تقويضه ونسفه وكأني به مشروع حرب أهلية جديدة يقودوننا اليها في وضح النهار.
والآن ترانا الى أي هوة سحيقة نحن سائرون؟ وأي منطق قسري إملائي تحت وميض السلاح والمرافق المعطلة يريدوننا الخضوع له والامتثال. إنها 7 أيار جديدة بحلّة أخرى مدبّرة. فلا رئيس قادر على لملمة صفوف اللبنانيين يرضون به بل فرض مستمر متمادٍ لتعطيل دور البرلمان.
ألا أيها الرئيس الصالح الأمين، يا عبدولونيم المتواضع الشفاف العائد إلى منزلك وإلى بستانك نقولها مع وليد جنبلاط، أنت أنت في قلوب اللبنانيين وعقولهم، ونحن ننحني أمامك بإجلال ومحبة واحترام. وستبقى علامة مضيئة في تاريخ الوطن الصغير فبورك البطل الذي حملك عنواناً للشرف والكرامة، وسوف تشهد معنا، لا محالة، قيامة لبنان مستقلاً عربياً ديموقراطياً تندحر على شواطئه وقرى جبله العنيد كل أطماع الغزاة.