لا تملك عائلتي ثروة ولا تساهم في مصرف، ولا قريب لي من أصحاب رؤوس الأموال، لكني لست ناقماً على أصحاب المال وأعضاء مجالس ادارات المصارف، بل اني أشكر هؤلاء لأنهم أتاحوا لي ولغيري فرصة الحصول على القروض، إن لشراء منازلنا، أو لقيامنا بمشاريع استثمارية، ولو بالتقسيط، الممل غالباً.
المناسبة هو الكلام غير المنطقي الذي يردده مسؤولو هيئة التنسيق النقابية، ويتهجمون به على المصارف، في مقابل الفشل الذريع لجمعية المصارف في الدفاع عن نفسها. يتحدث النقابيون بالمنطق اليساري الناقم باستمرار على كل شيء، ولم ينجح في تحقيق المساواة بين الناس. ينطلقون في اضرابهم من أمام مصرف لبنان، أو من بوابة جمعية المصارف، ويتهمون أصحابها والقيمين عليها بأنهم “حيتان المال” و “حرامية”، كأن المطلوب إفقار هؤلاء أيضاً، ليصير المجتمع مجموعة من المتخبطين في الفقر والعوز، ولا معيل لهم ولا سند. بل ولكأن المطلوب ضرب كل المؤسسات الناجحة التي يقوم عليها اقتصاد البلد، والتي توظف المئات والآلاف من أبناء الفقراء أنفسهم. فلو قرر أصحاب المصارف والمصانع والمؤسسات التجارية نقل استثماراتهم الى اي بلد آخر، لأكل هؤلاء الفقراء في البلد بعضهم بعضاً، ولم يجدوا من يعيلهم، او من يُضربون بوجهه.
في قراءة علمية للأرقام ان مصارف لبنان تحقق أرباحاً كبيرة، كما نقرأ في بياناتها السنوية، لكن الواقع أن نسبة هذه الأرباح ما زالت منخفضة قياساً الى مصارف في دول اخرى، مما يعني أن المستثمرين لا تجذبهم مصارف لبنان لضخ أموالهم فيها وتوسيع استثماراتهم. وانتفاء عامل الجذب هذا يقود حكماً الى عدم قدرة هذه المصارف على زيادة رأس مالها، وبالتالي فتح فروع جديدة وتوظيف أناس جدد، وتوسيع مروحة خدماتها. ومع التطور العالمي السريع، يتقلص حجم هذه المؤسسات المالية وتضعف، ويتراجع معها الاقتصاد الوطني لمصلحة شركات قابضة عالمية تأكل الأخضر واليابس. وحال المصانع أسوأ من حال المصارف، اذ صار بعضها يتعرّض للخسارة في ظلّ المنافسة الأجنبية، مما يضطره الى صرف عماله ورميهم في الشارع.
إن الزيادات المرتقبة في سلسلة الرتب والرواتب لا يمكن أن تجبى وارداتها الا من جيوب الأغنياء اذا كانوا يحققون أرباحا عالية، أما اذا خسروا فلن تتوافر للدولة واردات، وبالتالي فلا مال للانفاق العام، ولا رواتب في نهاية الشهر لكل النقابيين.
الحل لا يكون بالضوضاء والخطب المتلاعبة بعواطف الفقراء، وإيجاد نقمة على كل المؤسسات الناجحة التي تحقق أرباحاً، والتي لم تقدم نفسها يوماً مؤسسات خيرية لا تبغي الربح. الحل لا يكون بـ”تطفيش” رؤوس الأموال من لبنان الى أمكنة أخرى.
تسألون أين الحل؟ رددها أمس رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان: “الحل بوقف 50% من الاهدار في الانفاق العام، حيث لا رقابة مالية أو قانونية”.