كُتب على الجيش اللبناني وعلى قوى الأمن الداخلي، كما على الشعب والمؤسسات ان تدفع ثمن اخطاء المسؤولين، او معظمهم، الذين تعاقبوا على الحكم منذ الاستقلال وحتى اليوم، وغابت عندهم الرؤية والتحسّب، وحتى النيّة على ابتداع الحلول والمخططات الكفيلة بتسييج الوطن وحماية اللبنانيين من اي طارىء غير متوقع، رغم ان التوقعات كانت متوافرة وبكثرة بعد طرد الشعب الفلسطيني من ارضه تنفيذاً لمؤامرة دولية شارك فيها الجميع، حتى بعض المسؤولين العرب.
لم يعرف المسؤولون اللبنانيون الذين كانوا يتولون السلطة في العام 1948، كيف التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين الذين تدفقوا على لبنان بالالاف، وزنّروا العاصمة بيروت، والمدن الكبرى الاخرى بالمخيمات التي وصفت يومذاك بالموقتة، لكنها بدأت تتضاعف باطراد مع مرور الاعوام، وتحوّلت الآلاف الى مئات الآلاف، وكانوا السبب في بداية انهيار لبنان، عندما سقطت الدولة في كوما اللامبالاة والمصالح والحسابات الطائفية والمذهبية، وسقط معها الجيش وقوى الامن والامن والنظام والقانون ومئات الوف الشهداء والجرحى والمعوقين، ودمّرت بنية العيش المشترك في لبنان، بمثل تدمير البنى التحتية والفوقية.
بذل اللبنانيون المستحيل لينفضوا عنهم اعباء الحرب المدمّرة، ويعيدوا بناء بلدهم، وصيغة عيشهم المشترك، رغم الصعوبات والحروب الصغيرة، وقيام قوى مسلحة الى جانب القوى الشرعية، والتدخل الخارجي في القرار الوطني، لكن الصلابة التي يفترض ان يتحلّى بها المسؤولون، والتعلّم من اخطاء الماضي، وغياب القرار الواعي المسؤول، والخضوع للحسابات المذهبية، رغم التحذيرات المتعددة من خطر نزوح السلاح والمسلحين مع المدنيين الهاربين من الجحيم، ولم يفكر احد في ما يمكن ان يحمل معه نهر النزوح من افكار وعقائد هدامة بدأت تظهر في سوريا عند تنظيمات تكفيرية من جهة، وبطش مماثل من النظام من جهة اخرى، في وقت وصل فيه التوتر الى قمته بين السنّة والشيعة، على خلفية تدخل حزب الله في سوريا. ولم تكن حكومة تمام سلام مع الاسف افضل من سابقاتها، وانحنت هي ايضاً امام الضغوطات المذهبية والسياسية، ولم تأخذ تدبيراً واحداً، او قراراً واحداً، يدخل الشرعية الى حصون مدن المخيّمات التي كشفت احداث عرسال انها تحولت هي ايضاً الى معسكرات، مثلها مثل معسكرات الفلسطينيين، وقد يكون بالتعاون والتحالف والتوافق معها.
****
النائب وليد جنبلاط، كان شجاعاً وواقعياً، عندما اعتبر ان خطابات سعد الحريري وفؤاد السنيورة تناهض الارهاب والتكفير، وهي مهمة، ولكن القاعدة السنيّة في مكان مختلف، وبيان بعض فاعليات طرابلس والشمال ونوابهما يؤكد في مضمونه ما ذهب اليه جنبلاط، الذي عاد وحذر من ان الخطر الداعشي آت، والوحدة الوطنية قد تحمي لبنان من الأسوإ. وكشف انه سيقوم بمبادرة تجاه القيادات المسيحية، في محاولة للخروج من الجمود القاتل الحاصل في عملية انتخاب رئيس للجمهورية، على قاعدة ان انتخاب الرئىس سيؤدي الى عودة الحياة لمجلس النواب وللحكومة، بما يساعد على انتظام عمل الدولة في هذه الظروف الصعبة.
دقت ساعة الحقيقة، امام جميع الطوائف والمذاهب، والكلام «المهم» لم يعد كافياً اذا كانت القاعدة في مكان مختلف، وعلى القيادات السياسية مجتمعة، تقع مسؤوليات كبيرة، وربما تنازلات مؤلمة، لكنها ضرورية لانقاذ لبنان وشعبه، طالما ان الانقاذ ما زال متاحاً.