IMLebanon

دمعة المعلم رفيق

ليس في كياني ذرّة عنصرية. أقول هذا بقوة، كي لا يُؤخذ كلامي أدناه في منحى مختلف عن ذاك الذي أقصده، وخصوصاً في زمن التحوير والتمعين والتخوين الذي نعيشه اليوم. أيضاً، وبقوة، لا أكره الشعب السوري. بل لطالما اعتبرتُ أن عدوّه وعدوّنا واحد. أيضاً وأيضاً، عندما أرى طفلاً أو عجوزاً يتسوّلان في الشارع، لا أستطيع أن أمنع نفسي من مساعدتهما بالقليل المتاح لديّ، بدلاً من أن أنقم عليهما أو أتأفف منهما.

يؤلمني وضع المهجرين في المخيمات، كما يؤلمني أن يعاني إنسان من برد أو حرّ، من جوع أو من ظلم، بسبب ظروف فُرضت عليه فرضاً. لكني، وبالقدر نفسه، أتألم عندما أصغي الى ربّ عائلة لبناني فقد وظيفته لأن اليد العاملة السورية “أرخص”.

يقلقني أني كلما ذهبتُ، مثلاً، الى مطعم أعرفه وأرتاده منذ مدة، وجدتُ أن الطاقم اللبناني بأكمله قد تغيّر وصار، من أعلى الهرم الى أسفله، سورياً. يقلقني أن عدداً كبيراً من أصدقائي اللبنانيين الشباب عاطلون عن العمل لأن لا قدرة لديهم على منافسة من يرضى بمئتي دولار أميركي راتباً شهرياً. وهكذا.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: الحق على مَن؟ الجواب ليس في حاجة الى تفكير أو فذلكة. هو نفسه الجواب البسيط الذي سمعتُه من “المعلّم رفيق”، الرجل الستيني الذي امضى من عمره 31 عاماً نادلاً ثم مديراً في أحد مطاعم برمانا، وبات الآن “على الطريق”. أسرّ إليَّ دامعاً: “ليست المشكلة في طارق الباب. المشكلة في فاتحه”. هذه الجملة تنطبق تماماً على وضعنا اليوم في لبنان. فنحن لم نكتف بـ”فتح” الباب: لقد ألغينا الباب تماماً من الوجود.

قد يقول قائلٌ يريد أن يزايد علينا إنسانياً: “كيف لنا أن نرفض مساعدة مَن يفرّون من موتٍ أكيد؟”. هنا أيضاً الجواب واضح وبسيط: “إنتحارنا لن يساعدهم”. ونحن ننتحر بالتأكيد. هذا كي لا أقول انتحرنا. انتحرنا بأن استقبلنا ما لا قدرة لدينا على استيعابه، لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا إنسانياً. انتحرنا بأن لم نغربل اللاجئين بين لاجئ حقيقي ومندسّ (ما جرى ويجري في عرسال برهان مفجع على هذا الصعيد). انتحرنا بأن قبلنا، مرة أخرى، دفع فواتير لطاغيةٍ، مريدوه في أراضينا أكثر عدداً من ضحاياه (الانتخابات السورية التي جرت هنا أبشع دليل على ذلك).

متى نتعلّم الدرس؟ ألم يفت الوقت لاستخلاص الدروس أصلاً؟ خوفي أن بلى. دمعة المعلم رفيق وأمثاله في أعناقكم يا فاتحي الأبواب.