بين «الهلال الشيعي» الذي تسعى إليه الأمبراطورية الفارسية الجديدة، وتمدّه بالمال والرجال والسلاح، و»دولة الخلافة الإسلامية» التي يقودها أيمن الظواهري ومنافسه اللدود «الخليفة» أبو بكر البغدادي، وتموّلها بعض دول الخليج الخائفة على سنيّتها وعلى توسّع النفوذ الإيراني، يقف لبنان على حافة الهاوية، يتلقّى الضربات الموجعة في أمنه وسياحته واقتصاده.
أركان «حزب الله» يعدّدون إنتصاراتهم في سوريا، ويشيدون بفوائد «حروبهم الإستباقية»، فيما لبنان يغرق في أتون الإرهاب والإرهابيين، وبعض أقطابه يلهثون وراء كرسٍ تكسّرت نصف أرجلها، غير آبهين بمصير الوطن وشعبه. ما همّ، ما دامت بطونهم وجيوبهم منتفخة، وقلوبهم متحجّرة يملؤها الحقد والكراهية وحبّ الذات. ما همّ إذا ضاع الوطن، المهمّ أن تبقى الشاشات تبثّ أخبارهم وبطولاتهم وتحليلاتهم وضحكاتهم الزائفة. مسكين هذا الشعب، تخدّرت عقولهم، وتكمّمت أفواههم، حتى باتوا بدون إرادة ولا وعي. لا ينتفضون إلاّ لسلسلة رواتب تآكلت قيمتها، فيما سلسلة حياتهم ووجودهم واستقرارهم مهدّدة كل يوم. مصيرهم معلّق على خشبة الإنتظار، والإنتظار مرض قاتل، يُفرغ المؤسسات ويقضي على ما تبقّى من دستور وميثاق.
دولة الرئيس نبيه بري، لن أطالبكم بما لا تستطيعون القيام به، فمشروع الشرق الأوسط الجديد أكبر منا جميعاً، و»حزب الله» باقٍ حيث هو، «شاء من شاء وأبى من أبى» وهو ماضٍ فـي تنفيذ أجندته والتزاماته الإقليمية، إن بقي بشار الأسد أو رحل. ولكنني بكل محبة أطالبكم بما أنتم قادرون ومؤتمنون عليه، وهو المحافظة على الميثاق والكيان. فنحن نعلم مدى حرصكم على تلك الميثاقية التي ميّزت لبنان عن باقي دول المنطقة. أنت تعلم يا دولة الرئيس، أكثر من أيّ شخص آخر، أن من أولى واجبات النواب، إحترام الدستور الذي ألزمهم إنتخاب رئيس الجمهورية في مهلة محدّدة، وألزم المجلس بالإجتماع (فوراً) وانتخاب رئيس جديد عند شغور سدة الرئاسة. إن إصرار «حزب الله» و»التيار الوطني الحرّ» على تعطيل النصاب والإخلال بواجب الحضور، يُعتبر طعناً للدستور والميثاق، ولكل الأعراف الديمقراطية.
سنة 2007، وبعد إنسحاب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس السنيورة، إعتبرتم يا دولة الرئيس، الحكومة بتراء، لأن غياب مكوّن رئيس أفقد مجلس الوزراء شرعيته وميثاقيته، وأقفلتم أبواب المجلس النيابي في وجهها لفترة سنة ونصف. لقد أردتم المحافظة على الميثاقية وأيّدكم في ذلك كثيرون. اليوم، وفي إصرار فريق سياسي تنتمون إليه، لا بل أنتم أحد أركانه، على إقفال باب القصر الجمهوري، وتعطيل جلسات إنتخاب رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، والذي يسهر على إحترام الدستور، والمحافظة على إستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه…ألا تستحق هذه الميثاقية أن ينتفض الرئيس بري في وجه المعطّلين حلفائه الذين جعلوا الدولة كلها بتراء؟ ألا تستحق هذه الميثاقية وقفة شجاعة يسجّلها التاريخ لإنقاذ الإستحقاق الرئاسي؟ تسألون كيف؟ طبعاً، ليس في الإنقلاب على الدستور واتفاق الطائف، ولا في تعديل النظام وتحويله إلى نظام رئاسي، ولا في الطروحات البراقة التي تدغدغ مشاعر بعض المسيحيين، بل بتطبيق الدستور وبخاصة المواد 73 و74 و49. فإذا كان العُرف الميثاقـي إستقرّ على نصاب الثلثين فـي جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية، فهذا العُرف يسقط حُكماً ولا يطبّق عندما تكون هناك إرادة واضحة في تعطيل النصاب، وتغييب رمز وحدة الوطن، وشلّ عمل المؤسسات. وإذا إعتبر البعض أن نصاب الثلثين قد وُضع من أجل حماية المسيحيين، فبئس هذه الحماية إذا كان الفراغ سيزورنا كل ست سنوات ويتربّع سعيداً لأشهر طويلة فـي القصر الجمهوري، ولا يتزحزح، إلاّ بمزيد من الرضوخ والتقهقر والتنازلات.
دولة الرئيس، إذا كان المسيحيون، وبالتحديد الموارنة، وعلى رأسهم بكركي، أدركوا مؤخّراً أن الظروف الإقليمية والدولية، والإنقسام الداخلي، لا يسمحون بإيصال الرئيس القوي إلى كرسي الرئاسة، وقبلوا برئيس توافقي لا يشكّل تحدّياً لأيّ فريق، فهذا لا يعني أنهم إستسلموا للإنتظار القاتل والفراغ المميت، فهم يطالبونكم اليوم بمبادرة جريئة، تنقذ الجمهورية من التفكّك والضياع، وتعيد الضالين والمضلّلين إلى روح الميثاق، لأن للميثاق أرجحية على كل القوانين والأعراف.