اذا كانت الفوضى الامنية ومحاولات هز الاستقرار الداخلي مضبوطة تحت سقف المظلة الدولية الراعية للوضع اللبناني، على ما اثبتته التطورات حتى تاريخه، فان المعادلة نفسها تقول مصادر ديبلوماسية غربية ستسري دستوريا بعد موعد 20 ايلول، بحيث يوضع لبنان تحت «خيمة» دولية تقيه الفوضى الدستورية، ما حرك عجلة المشاورات والمساعي المبذولة على خط انجاز تسوية شاملة، تبدأ بانتخاب رئيس تسوية مرورا بالتمديد للمجلس النيابي وصولا الى ارساء حلول لسائر الملفات العالقة.
فالى الاعتبار الدستوري الذي يشكل ركيزة اساسية في الحراك السياسي «المنبعث»، اشارت المصادر الى اعتبارين لا يقلان اهمية، التحولات في المواقف الايرانية التي ترجمت انفراجا في الملف العراقي واستتبعت باللقاء السعودي – الايراني، الذي جاء تتويجا لمحادثات بعيدة عن الاضواء جرت في عاصمة اوروبية، وما انتجه من مواقف ايجابية تنتظر ترجمتها عمليا، الى جانب الواقع الامني الخطر الذي حركت مياهه الراكدة حوادث عرسال، وما خلفته من تداعيات بدءا بملف العسكريين المخطوفين وتعقيداته وصولا الى القلق المتنامي من امكان انفجار الوضع في مناطق اخرى، وسط غياب الحدود السياسية بين الواقع اللبناني الداخلي والوضع الاقليمي المعقد المحكوم بالتناقضات والالتباسات.
من هنا تصف المصادر زيارة عبد اللهيان الى الرياض، بانها حلقة من لغة جديدة بدأت تتشكل في اطار التحولات الكثيرة التي تشهدها المنطقة، ما جعل طهران تفكر في اعادة صياغة علاقاتها مع الخصوم والحلفاء، في خطوات تشاورية قد تمهد لخطوات اخرى، انطلاقا من ان التعاون الامني الدولي والاقليمي لمواجهة «داعش» واخواتها ، سيتحول سياسيا فيما لو نضجت ظروف التسويات ورضخت قوى الممانعة لمستلزمات مواجهة الارهاب.
غير ان ترقب مفاعيل اللقاء السعودي – الايراني، الذي رأت فيه المصادر اشارة مهمة يجب ان تترجم نتائجها في تشكيل الحكومة العراقية، العالقة عند عقدة اشراك جميع المكونات السياسية العراقية فيها وتوزيع الحقائب الامنية، قد يدل الى قرب نضوج التسوية اللبنانية واتجاه رياحها، التي يسعى الحراك الحالي الى تهيئة الارضية السياسية والامنية متى وصلت كلمة السر للسير بها، بحسب المصادر الدبلوماسية الغربية التي لم تخف تحفظها عن حقيقة هذه النتائج وما اذا كانت الزيارة الايرانية للمملكة شكلية ومجرد كسب وقت، ام انها اللبنة الاولى في مدماك البحث عن حل لازمات المنطقة بعدما اشترطت واشنطن انجاز الحلول وتقديم التسهيلات من جانب طهران لتوقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية عنها، في مقابل اصرار الاخيرة على «اعطائها نوويا» مقابل التعاون في الحرب على الارهاب، ناهيك بالخلاف المستجد حول ادخال النظام السوري في التحالف الدولي – الاقليمي ضد الارهاب.
الا ان انسداد الافق محليا، لم يمنع الحراك الدولي لاحد الدبلوماسيين الفاعلين المعتمدين في لبنان في اتجاه المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية من اجل استطلاع الاجواء في مهمة مشابهة لتلك التي قام بها عشية تشكيل الحكومة السلامية المنهمكة في معالجة الوضع الامني، مع وجود عدد من المسؤولين خارج البلاد، في مؤشر الى ان ابواب انتخاب رئيس في جلسة الثلثاء المقبل ستكون كسابقاتها وفق ما ظهر جليا في موقف البطريرك الراعي من المطار، قابلته محاولات ديبلوماسية تبذل في الخارج لا سيما على خط فرنسا – الفاتيكان – الولايات المتحدة من اجل تقديم الملف اللبناني على السوري، بحيث ينكب المسؤولون الدوليون على ارساء حل شامل لأزمات لبنان من الرئاسة الى الانتخابات النيابية والحكومة بما يكفل اعادة انتاج سلطة جديدة، تنهي عهد الفراغ وتواكب انضمام لبنان الى الحلف المناهض للارهاب.
مصادر مقربة من قوى الثامن من آذار رأت في الخطوة الايرانية مفتاحاً لحلّ أزمات المنطقة، وسط المناخ الدولي ـ الاقليمي المجمع على خطر التهديد الذي تمثله «داعش» ووجوب مواجهته بكل الوسائل المتاحة، خاصة ان بعض الدول التي راهنت في فترة من الفترات على امكانية الاستفادة من «الديب الاصولي» بدأت تستشعر خطر ارتداد هذه الظواهر عليها، خصوصا السعودية لأن مسرح عمليات «داعش» لا يبعد كثيرا عن حدودها الشمالية، آسفة لاصرار بعض فريق الرابع عشر من آذار على الاستخفاف بالخطر الاصولي الذي يواجه لبنان كيانا ونظاما ، عازين ما يحصل الى تدخل حزب الله في سوريا ، الامر الذي لم يعد احد في العالم يراه كمشكلة.
وليس بعيدا، اعتبر مصدر في قوى 14 آذار ان نظرية حزب الله حول ان تدخله عسكريا في سوريا يحول دون تمدد الارهابيين في اتجاه لبنان سقطت وهو فشل ليس في منع هؤلاء من دخول لبنان فحسب، انما استجلبهم الى العمق حسبما تبين من موجة التفجيرات التي استهدفت الضاحية الجنوبية واماكن اخرى في بيروت، موضحا ان على الحزب ان يدرك ويقر ان تدخله في سوريا لم يكن فقط خطأ استراتيجيا على المستوى اللبناني بل ايضا على مستوى الطوائف عموما والطائفة الشيعية خصوصا، ملاحظا ان حوادث عرسال وما استتبعها من تداعيات ليس سوى دليل واضح الى ما جره الحزب على لبنان من ويلات ومآس بدأت مفاعيلها تتظهر تدريجا.
على ما يبدو. يضيف المصدر في 14 آذار، ان الغرب لن يتدخل مباشرة في ازمات المنطقة معتمدا على توسيع محاور السعودية ومصر بضم تركيا على حساب ايران المتراجعة تحت الضغوط الداخلية والخارجية، وليس آخرها حزمة العقوبات الاميركية الجديدة المتصلة ببرنامجها النووي والصاروخي.