وحده المسيح، كان الحمَل الذبيح الذي بارك جزّاره، لينقذ بدمه أرواح البشر من غريزة الخطيئة، ولا ندري الى أيِّ مدىً انتصرت تضحية المسيح، لتنتصر معها إرادة المحبة والصفح على نزعة الشر والذبح.
هذا العالم اليوم لا يزال غارقاً في دَنَس الخطيئة، والجزارين، فيه الذين ينحرون الذبائح من سلالة الطير والبهائم، يحاولون تبرئة أنفسهم باستئذان الله عندما يخاطبون الذبيحة بالقول: «سبحان مَنْ حلَّلكِ للذبح».
أما الذين ينحرون الذبائح البشرية من سلالة الله، فبإسم أيِّ آلهٍ يحلِّلونها للذبح، وبإسم أي دين وأي نبيٍّ وأي شريعة غابٍ وقانون».
المجازر التي تظهر على الشاشات «الداعشية» لا نصّدق أن أفلام الرعب «الهوليودية» تتجرأ على عرضها، ولا نصدق أنها من ارتكابات الآدميين في القرن الواحد والعشرين لتطوّر موكب الحضارة.
هذه الغريزية التي انتشرت كالسحر في العالم العربي، بما استمالت من أجانب وأعاجم على أنها مستوحاة من عقيدة ثائرة تدغدغ هوس شباب الغرب، لا يمكن استئصالها بالسيف، ولا بخطة أوباما، وحلف شمال الأطلسي، واللقاءات الدولية في السعودية، وفروسية الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب.
قيل: «إِن الله يَزَع بالسلطان قبل القرآن، لأن السلطان يقرّب العقوبة فيما القرآن يؤخِّرها»، أما في الحالة الداعشية، فالعكس هو الأصوب، إنّه المَنْعُ بالقرآن قبل السلطان.
السلطان الأميركي والأطلسي والعربي، تظلّ سلطته أدنى من السلطان الديني الأكبر الذي يستمد منه «الداعشيون» سلطتهم، ولو تحريفاً.
وفي الحالة الداعشية لا تنفع الجيوش العسكرية المدجّجة في استئصال النوازع المسعورة من النفوس، ولا تجدي المواجهة بالمراسلة على أجنحة الأثير، بالأمر، أو بالنهي، والزجر، كمثل ما صدر عن الأزهر «إن عناصر تنظيم داعش مجرمون».
الميدان المؤجّج يستوجب جيشاً من نوع آخر، جيشاً يتدجّج بالعلماء والفقهاء والمفسرين والمُفْتين وأئمة الدين، ينزلون الى ساحة المعركة ويرفعون فيها المصاحف، في وجه الفتاوى المحرَّفة، والتفسير المضلِّل، والإجتهاد المنحرف، والإستدلال الملتبس، والإصطلاحات المموَّهة بالإشتقاق والإستنباط.
الحرب هنا ليست حرباً جسدية والتي تعكس ردة فعل أكثر إصراراً وأكثر عنفاً، بل هي حرب إجتثات الآفة وتوعية القوى الإدراكية المنفلتة: قوى إدراك الحسّ، وإدراك الخيال، وإدراك الوهم، وإدراك العقل.
بتعبير آخر، أن المرجعيات في قمة الهرم الديني، ليس مسموحاً لها بعد، أن تقف متفرجة حيال مأساة عالمية تشوّه قِيَمَ الدين الإسلامي وتحلل الذبح باسمه.
بل على هذه المرجعيات أن تشهر الآيات البيّنات سلاحاً أمضى يعلن وبما يشبه الحسم إسقاط أي مسمّى باسم أي دولة إسلامية تتعارض في شكل عكسي صارخ مع مقاصد الشريعة وروح الدعوة والمسيـرة النبوية والسيرة والحديث، وبهذا تُجرَّدُ الداعشية من سلاحها الإسلامي، ولا يبقى أمامها إلاّ أحد اختيارين: إِما أن تتخلّى عن تسمية دولتها بالدولة الإسلامية فيتخلى عنها أنصارها المضللون، وإِما أن تقيم دولة إسلامية على مبادئ القرآن وخط الرسالة الإنساني، وإذ ذاك نبارك لها دولتها وسائر الداعشيين فيها.
إنه الواجب الحتمي الملحّ، إن تلكأت عنه المرجعيات الدينية والمقامات المسؤولة فلا نقول لها بلسان أبي بكر: «إِنَّ الله قد رفع بالإسلام قوماً وأذلَّ به آخرين».
بل نردد ما أعلنه رائد الإصلاح الإسلامي الشيخ محمد عبده بقوله: ولكنه دينٌ أردْتُ صلاحَهُ أُحاذرُ أنْ تقضي عليهِ العمائمُ