أحدثت حركة «داعش» تغييراً في الجغرافيا السياسية في العراق وبلاد الشام، وأحدثت بممارساتها الهمجية ارتجاجاً قوياً في مناخ المنطقة والعالم، وبلغت من الإمكانات ما يهدد باحتمالات توسعها تجاه دول جديدة. تَدَرَّج الموقف الأميركي من رسم حدود لها على أطراف إقليم كردستان بالعمليات الجوية إلى استصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي يفوض القوى الدولية التصرف تحت الفصل السابع بعد «ذبح الصحافي الأميركي». ويجيء الاجتماع الخماسي في المملكة السعودية الذي يضم إليها مصر والإمارات والأردن وقطر استجابة وتحضيراً لأي تحرك دولي غير واضح المعالم حتى الآن. لكن الاجتماع حمل عنوانين واضحين، بحسب الخارجية المصرية، هما: مخاطر دور حركة «داعش» والبحث في حل سياسي للأزمة السورية، باعتبار ان الأزمة العراقية يتجه حلها إيجاباً.
الأميركيون كرّروا دعوتهم في العراق إلى حكومة وحدة وطنية تتولى معالجة الشأن العراقي فيتعاونون معها ومع سائر المكونات وخاصة إقليم كردستان والسنة. أما في الشأن السوري، فما قاله الرئيس أوباما لا ينم أبداً عن أي احتمال للتعاون مع الحكومة السورية. وليس من بين الأطراف الخمسة الذين يلتقون في السعودية من يعطي إشارات في هذا الاتجاه، بل على العكس هم دول المحور المقابل للذي تقف فيه الحكومة السورية. فإذا كانت هناك دعوات غربية لإيران لكي تساهم أو تساعد على مواجهة التهديد الإرهابي، فلا يشمل ذلك الأطراف المرتبطة بها، بدليل ما صار لحكومة المالكي، وبدليل هامشية الدور الإيراني في حرب غزَّة والتفاوض حولها. ربما نكون في بداية مسار من التعاون المصري السعودي لتجميع ما بقي من مواقع الفاعلية العربية لمواجهة الأوضاع الخطيرة في مشرق العالم العربي ومغربه. فإذا كان الغرب، والأميركيون خاصة، ليسوا في وارد التورط العسكري المباشر، ولا حتى من خلال تفويض مجلس الأمن، فلا بد من إدارة تجتمع فيها الأطراف الفاعلة عربياً لإيجاد حلول سياسية في مواقع متفجرة خرجت عن الإطار المرسوم لها، أو هي تتحول إلى مشكلات مزمنة تحمل الكوارث والمآسي الإنسانية كما في العراق وسوريا وليبيا.
ما تستطيعه هذه الكتلة من الدول العربية مرهون بالتكامل مع الخطة الدولية في جانبها العسكري والسياسي. فمن غير السهل أصلاً تدمير البنية العسكرية لحركات إرهابية مثل «داعش» التي ورثت «القاعدة» وقد يرثها آخرون من دون معالجة البيئة السياسية وخاصة الفوضى والتوترات الأمنية وضعف مؤسسات الدول. وهذا شأن يحتاج بالدرجة الأولى إلى إنشاء جبهة ليست مكونة فقط من الدول المعنية في مواجهة الإرهاب، بل كذلك باستنهاض المجتمعات وإطلاق فاعليتها لمقاومة الفكر الظلامي والتكفيري والإرهابي. لا نقارب فكر وممارسة «داعش» بأي من الحركات الدينية أو الطائفية أو القبلية المسلحة برغم ان العنف الذي تنشره ليس بقليل كما هو حال ليبيا اليوم، ولا نجد علاقة تبرر وجود هذه بوجود تلك، إلا أن كل ظواهر الإسلام السياسي على تنوعها ترتبط بوعي مفوّت او بوعي شقي لا يجد سبيله إلى بناء علاقة صحيحة مع الحاكم في الداخل والخارج. فهذا الحجم من الغضب ومن الحقد والكراهية للعالم ليس حالة عابرة شرقاً وغرباً.
ففي المسألة السورية زادت الأمور تعقيداً بعد ان استطاع النظام ان يستعيد السيطرة على جزء مهم من سوريا ويتلقى الدعم الدولي والإقليمي الذي يجعله غير مهتم لأي حل سياسي ليس فيه أرجحية له. والمعارضة السورية صارت خارج الميدان منذ زمن بعيد إلا تلك الجماعات المسلحة، غير ان هذا الوضع يظل مثالياً لأعمال العنف والتطرف والفوضى. فإذا كان هناك من تصور لحل فلا بد أنه يحظى بدعم دولي وإقليمي وان يأخذ بنظر الاعتبار مكونات الشعب السوري والجغرافيا السياسية الجديدة ويشجع المتقاتلين على البحث في نظام تشاركي كشرط لامتصاص حالة العنف والقتال.
فهل يبادر المجتمع الدولي ومعه العرب إلى الدعوة لمؤتمر حواري وطني سوري بحثا عن «الحل السياسي» الذي ما زال فكرة غامضة حتى الآن؟a