IMLebanon

رئيسٌ احتمال… ولا رئيس احتمال موازٍ فأيّ أزمة سيخلقها “فخامة” الفراغ؟

اليوم تجرى في مجلس النواب “بروفة” أولى للانتخابات الرئاسية المنتظرة. ولكن ثمة من يرى ان المقدمات والمعطيات التي سبقت هذا الاستحقاق الدستوري والتي يمكن أن ترافقه ثم تعقبه، فرضت وقائع معقدة ومتشائمة لعل أبرزها حال الاهتزاز والارتجاج التي أصيب بها اصطفافا 8 و14 آذار عشية اقتراب موعد الاستحقاق، تماماً كما جرت العادة عشية كل استحقاق مفصلي أو مصيري.

الجلي ان غالبية مكونات 14 آذار وفي مقدمها تيار “المستقبل” أعلنت قبيل أقل من 36 ساعة على موعد انعقاد جلسة مجلس النواب التأييد لترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ولكن الراصد عن كثب والمتابع عن قرب يعي تماماً ان افصاح هذه المكونات عن كلمتها الفصل ليس إلا في اطار تكتيك سياسي عنوانه العريض ارضاء جعجع الذي كان بارعاً في فرض نفسه على حلفائه، فأدخلهم في تجربة صعبة، زاد حدتها ترشح رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميّل للعودة مجدداً الى قصر بعبدا، واستطراداً العنوان الاعرض هو الحيلولة دون تشظي هذا الائتلاف السياسي والحفاظ قدر الامكان على تماسكه. وفي الضفة الاخرى لم يعد خافياً ان “التيار الوطني الحر” غير معجب في كواليسه ودوائره الضيقة بكلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن ان العماد ميشال عون هو المرشح الحصري لفريق 8 آذار، فأقطاب التيار وكوادره، يرسو في سريرتهم يقين فحواه ان عين بري على مرشح آخر، وان رئيس المجلس تأخر أكثر من اللازم لكي يعلن موقفه “التكتيكي” هذا.
ولم يعد سراً ايضاً ان الدوائر السياسية الضيقة تتداول منذ فترة بعيدة مقولة مفادها انه ليس من المستبعد ان تمر المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي ويظل الفراغ هو “فخامة” الأشهر المقبلة، وهذا ان حصل وهو احتمال ليس بالضعيف يعني بشكل أو بآخر تعمق الازمة السياسية القائمة، وفتح الباب على أمرين:
– ازدياد حدة التوترات والتجاذبات والسجالات بين مكونات الاصطفافين الاكبرين واللذين يمسكان بقبضة قوية دورة الحياة السياسية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
– سيعيد الى المشهد السياسي وبقوة، مسألة يحاول كثيرون أن يتجاهلوها لحسابات ورهانات سياسية ضيقة وهي عمق مأزق النظام السياسي الحالي، أي نظام الطائف، واستعصاء ايجاد الحلول للأزمات التي تبرز واحدة تلو أخرى، وتتجلى في العجز عن تأليف حكومات ضمن المهل المعقولة وملء الشغور في الرئاسة الاولى، فضلاً عن العديد من مظاهر الاهتراء والتردي في الاوضاع الاقتصادية والمالية العامة والأمنية والادارية.
وبناء عليه إذا صحت غالبية التوقعات وولّد هذا الاستعصاء وهذا العجز عن انتاج الحلول والتسويات للأزمات المتناسلة فراغاً رئاسياً مديداً، خصوصاً إذا صح التوقع الدارج منذ فترة والقائل بأن الساحة اللبنانية ستظل في الثلاجة، ممنوعة من الانفجار الواسع ولكن محظر عليها الخروج من دائرة الازمات، فإن في النخبة السياسية من يحذر من ان تلج البلاد مرحلة أزمة حكم، وليس بعيداً ان تدخل في ما صار يعرف بأزمة الكيان.
وهنا، في هذا المقام بالذات، يعاد الاعتبار مجدداً للكلام الذي تردد قبل أشهر ثم سحب من التداول، عن الحاجة الملحة الى مؤتمر تأسيسي، وفي هذه الحال لن يعود الامر مطلب فئة سياسية ومذهبية بعينها، بل يصير مطلباً خارجياً وداخلياً تحت عنوان الانقاذ والحيلولة دون انحدار الاوضاع الى ما هو أدهى، واستطراداً تصير الحاجة الى جمهورية ثالثة (إذا صح ان الطائف جمهورية ثانية) أمراً غير مستبعد.
ولعل ثمة شواهد وأدلة بينة من شأنها أن تؤشر لهذا الاحتمال، أبرزها رفض تيار “المستقبل”، على سبيل المثال، اعتبار شراكته السياسية مع قوى 8 آذار وتحديداً “حزب الله” في حكومة “المصلحة الوطنية” بمثابة مقدمة لتسوية سياسية يمكن البناء والتأسيس عليها، بل هي وفق أحد أبرز الناطقين بلسانه في هذه الآونة مجرد مرحلة موقتة بانتظار الآتي.
وإذا كان ثمة من يرى أن هذا الكلام هو مجرد رسالة موجهة الى قاعدة تيار “المستقبل” التي ما برحت حتى الآن لا تتقبل بسهولة عملية مشاركة حزبٍ حمّله اركان “المستقبل” من الصفات السلبية ما لم يحمّل حتى العدو السياسي وليس الشريك في الوطن، فإن في الاوساط القيادية لـ8 آذار من يقرأ في الكلام ما هو أبعد، إذ يجد فيه استمراراً في الرهانات على تحولات يمكن أن تطرأ و تبدد تجربة الشراكة السياسية التي تولدت بعد مخاض استمر أكثر من 11 شهراً وتخللته محاولات لفرض وقائع معينة، من عناوينها “معاقبة” فريق اساسي في البلاد عبر حرمانه المشاركة السياسية في الحكومة والحكم.
ومهما يكن من أمر فإن ثمة من بات لديه سؤال يتعدى مسألة هل يتم انتخاب رئيس جديد اليوم أو ضمن المهلة الدستورية المتبقية والتي تنتهي في 25 أيار المقبل، بل صار السؤال المحوري عن طبيعة المرحلة وما يمكن أن يتخللها إذا ما صحت مخاوف الخائفين من مرحلة فراغ رئاسي خصوصاً ان كل الاطراف لا يسقطون هذا الاحتمال من حساباتهم ولا يقاربون موضوع الانتخاب الرئاسي من باب انه حاصل بلا ريب!