مصر انتخبت رئيسا جديدا هو عبد الفتاح السيسي، والمجتمع الدولي يقر ويعترف بذلك الاختيار. والانتخابات تم قبولها كحقيقة سياسية. هناك من لا يزال لا يرى فيما حدث في مصر سوى أنه «انقلاب» ويسخِّر بوقه الإعلامي بتأكيد ذلك، رافضا أن يرى الأمر على واقعه الحقيقي على الأرض الذي تغير فعلا. ما حصل في مصر وبصورته الأهم والأكبر هو أنه حدث انتقال كامل لذهنية أو لفرضية كانت سنة ثابتة في الأذهان تؤكد حتمية التوازنات الدائمة مع جماعات الإسلام السياسي لأنها (وبحسب ما كان يروج له وبشدة) هي وحدها التي تمتلك وتسيطر على الشارع السياسي برمته ومجمله. هذه الفرضية والحالة الذهنية انهارت وتحطمت بشكل هائل وإلى غير رجعة تبعا لما حصل في مصر. وهذا التطور اللافت والمهم على الأرجح قد يكون نقطة ميلاد للدولة الحديثة والعصرية والمدنية في المنطقة التي يعود فيها الخطاب الديني الوسطي والمعتدل والمقاصدي، وتزكى فيها روح المواطنة وتدعم خلالها حقوق المواطن بشكل مؤسساتي.
ما حدث في مصر (وهو مهم ولافت نظرا لعمق الدولة المصرية وثقلها وحجمها وبالتالي تأثيره المتوقع كتداعيات على سائر المنطقة)، يعيد تشكيل فرضيات سياسية كان يتم ترديدها في وسائل الإعلام وعلى المنابر المختلفة وفي تقارير ودراسات متنوعة من الداخل والخارج، أثبتت أن «حجم» و«تأثير» و«فعالية» هذه التيارات مبالغ فيه. ولعل أبرز وصف لما حدث في مصر كان تعليق أحد الأكاديميين المخضرمين في مقابلة تلفزيونية معه على إحدى الشاشات الفضائية حينما وجه إليه سؤال من المذيع ليسأله عن رأيه فيما حدث في مصر منذ الخروج الشعبي الكبير في 30 يونيو (حزيران) فتنهد وقال: «لقد كانت مكالمة إيقاظ كبرى استمع إليها الناس فتحركوا». الشعوب لها من الفطنة والذكاء الفطري ما تدرك معاني كثيرة به، ولعل الشيء الذي استشعرته الشعوب في لحظة ما أن أوطانها تخطف منها وتحاط بها هالة من التطرف والفكر «الدخيل والغريب عنها» فرفضته ولفظته كعضو مزروع يرفضه الجسد الحي في حالة لا يمكن إنكارها من الاعتراض على ما دخل عليه.
كثرت التحليلات والأسباب التي تحاول «مستميتة» أن تبرر وتدافع عن «معارضي الانقلاب» وتتهم الرئيس المصري عدلي منصور بأنه يتلقى الأوامر وتحركه أصابع من هم أقوى منه (وكأنهم سبحان الله يتحدثون تماما عن حالة الرئيس المعزول محمد مرسي وتحريكه من قبل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد التابع له!).
نهوض مصر من «غفوتها» وغفلتها هو بدايات لتصحيح حالة خطيرة كانت بدأت في الانتشار وبشكل سرطاني مدمر في جسد من الأصل منهك ومتهالك ولا يحتمل المزيد من المآسي، وتأتي مسؤولية الوقوف مع مصر حتى تستعيد عافيتها كاملة مسألة تعني العالم العربي بأسره لأن سقوط مصر سيكون بمثابة قنبلة بالغة الخطورة والتأثير، فشظايا السقوط والانفجار المصري كانت ستصيب المنطقة بأكملها بلا استثناء أبدا.
المصريون أولا قرروا الجنوح نحو الخط الوطني والصوت الديني المعتدل وإنقاذ بلادهم. ويترقب العرب والعالم إذا كانت هذه الحالة هي فقط مرحلة شعبية وغنائية مؤقتة أم أنها تغير حقيقي في ثقافة الانتماء والعمل والولاء لأن من دون هذا التغيير الجوهري والأساسي سيظل الخطر قائما والحذر مطلوبا.
عبد الفتاح السيسي رئيس مصر المنتخب لا نملك له إلا الدعاء بالتوفيق، فهو بحاجة ماسة لذلك.