صحيح أن المشهد واضح وليس في اللعبة الانتخابية أي سر دفين، لكن اذا كنا فهمنا شيئاً من هذه “المطمطة” فهو اعطاء فرصة كاملة لترجيح حظوظ العماد ميشال عون، بحيث يبلغ الاستحقاق مشارف هاوية الفراغ الرئاسي – كما هو اليوم – ويبقى مطروحاً كـ “مرشح توافقي” لن يحظى بالإجماع، واذا استمر الى آخر الشوط فإن كثيرين سيصوتون له على مضض.
كان اثنان من الرؤساء الثلاثة الذين انتخبوا بعد “اتفاق الطائف”، الياس الهراوي واميل لحود، جاءا بإرادة النظام السوري الذي كانت القوى الدولية والاقليمية فوّضته الشأن اللبناني. أما الصيغة التي جاءت بميشال سليمان فاختلفت قليلاً، اذ تبلورت في “اتفاق الدوحة” غداة أزمة سياسية حسمها “وكلاء” النظام السوري عسكرياً (غزوة بيروت بقيادة “حزب الله”) ثم كانوا شركاء في اختياره، وإن يكن حليفهم العوني أيّده على مضض، لكن سليمان استطاع اثبات “توافقيته”. الجديد، أو بالأحرى اللاجديد في الإشكال الراهن، أن هناك من يريد تمرير مرشح ينتمي الى طرف (فريق 8 آذار) على أنه “توافقي”، فقط لأن قطع الطريق عليه، بالطريقة الديموقراطية، سيؤخذ على أنه بمثابة “اعلان حرب” على المحاربين الى جانب النظام السوري.
ما يعني أن انتخاب الرئيس لم يعد واجباً دستورياً بمقدار ما أصبح امتثالاً لتهديدات محتملة من تداعيات غضبة أصحاب السلاح غير الشرعي. أي إن “جمهورية الخوف” مضطرّة الى أن تكون “واقعية”، والواقعية هي المرادف لتنفيذ ارادة القوي غير الآبه بالبلد ولا بأمنه أو استقراره. في هذا السياق يبدو حوار “المستقبل” – “التيار العوني” محاولة للتفاهم على تقنين هذا الخوف وادارته، حتى لو تطلّب الأمر تضحيات/ تنازلات يمكن أن تُغضب بعض حلفاء “المستقبل” بل أن تهمشهم. صحيح أن هناك صواباً وحقاً في تقديم أي تنازل تفادياً للفراغ، لكن هناك خطيئة بيّنة في تقديم الخطأ على أنه صواب. فأقل ما يقال في ذلك إن الجميع بلا استثناء يتعاملون مع انتخاب الرئيس على أنه مجرد ملء منصب آيل الى الشغور. ولا شك في أن الخضوع للأمر الواقع هنا سيكون أسوأ الخيارات.
أخيراً صارح سعد الحريري حليفه سمير جعجع بأن غريمهما ميشال عون يطرح نفسه “مرشحاً توافقياً”. أي أنه وضعه في جو احتمال تأييد نواب تيار “المستقبل” لعون، ولا بد أن يكون عرض عليه فحوى التفاهمات على ما يمكن توقّعه من عون بعد انتخابه. هل هذا مقنع، ليس لجعجع فحسب، بل لعموم اللبنانيين الذين احتقر عون عقولهم طوال الأعوام الماضية؟ يقال إنه تغيّر، بل يقال إنه عاد الى “طبيعته” السابقة. صحيح أم غير صحيح؟ إسألوا “حزب الله”.