IMLebanon

رئيس لكل السوريين

قرر ائتلاف أحمد الجربا وشركاه أن الانتخابات الرئاسية السورية «غير شرعية»، وتالياً، فإن «الثورة مستمرة»؛ فما هو معيار الشرعية، ومَن يحدّده؟ وهل يمكن، كما تقول الخارجية الروسية، «تجاهل آراء ملايين السوريين الذين أدلوا بأصواتهم في تلك الانتخابات»؟

حصل المرشح بشار الأسد على 88 في المئة من أصوات 73 في المئة من المشاركين؛ يساوي ذلك حوالي 63 في المئة من اجمالي أصوات السوريين. وهي تزيد قليلاً على النسبة التي توقعت الدوائر الأميركية والغربية، أن يحوزها الأسد في حال عقد انتخابات بالمعايير الغربية، ولكنها لا تقل كثيرا عن نسبة السوريين الذين كانوا يدعمون الأسد عند اندلاع «الثورة». وهذا هو السبب الرئيسي في أن «الثورة» فشلت، ولجأت إلى السلاح والدعم الخارجي، مبكراً جداً، لانتزاع السلطة بالقوة.

الشرط الأساسي للثورة هو حصول الاجماع حولها، أو، بالحد الأدنى، حصولها على تأييد الأكثرية. وهو ما لم يحصل يوماً في سوريا منذ 2011 وحتى الآن؛ بغير ذلك، لا يمكن الحديث عن ثورة، بل عن مجرد تمرّد مسلح، حصل على تأييد قوى معادية للدولة الوطنية السورية بالنظر إلى استقلاليتها ومناوأتها للغرب وعدائها لإسرائيل وعلاقاتها مع إيران وحزب الله. وفي ظروف كهذه، كان يمكن للتمرد أن ينجح في الإطاحة بالنظام السوري من خلال الحصار السياسي والاقتصادي والحملات الإعلامية المكثفة، ودعم المتمردين بالمال والسلاح، وأخيراً بشن عمليات عسكرية أميركية وأطلسية على سوريا، وتحطيم القوات المسلحة والقيام بانقلاب؛ وقد فشل هذا السيناريو بسبب صلابة الجيش السوري وصعود القوة الدولية الروسية المضادة، وما تلقته دمشق من دعم ثابت من حلفائها.

فشل سيناريو التمرّد المسلح/ الانقلاب، أدى إلى تناقص مستمر في عديد المتمردين المحليين، ونشأت الحاجة إلى استقدام مقاتلين أجانب وفّرتهم الحركات التكفيرية الإرهابية؛ فانتهت إلى السيطرة على القسم الرئيسي من التمرد المسلح.

لا يمكن أن تكون الثورة إلّا وطنية، أي أنها تعبّر عن مكوّنات المجتمع المعني؛ أما التمرد فله طابع جزئي، قد يكون إثنياً أو طائفياً أو جهوياً أو تآمرياً؛ ولذلك، فهو غير شرعي، وبلا أفق.

الانتخابات الرئاسية السورية، في المقابل، شرعية بالكامل، على الأقل بالنسبة للملايين التي شاركت فيها. وحتى لو افترضنا ــــ على سبيل السجال ــــ أنه جرى تضخيم عدد المشاركين أو أن قسماً منهم شارك فيها على سبيل الاضطرار؛ فإن أحداً لا يستطيع التشكيك في أن القسم الأكبر من السوريين، بكل أطيافهم ومكوناتهم، اقترع للأسد بمبادرة ذاتية واندفاع صريح. وهو ما يعني، بالمحصلة، أن الشرط الوطني لرئاسة الأسد تم انجازه بالانتخابات ــــ مهما قيل فيها وعنها ــــ بينما لم تحز «الثورة»، يوماً، شرطها الوطني، وانحسرت في تمرّد مسلح من الواضح أنه ينهار أمام ضربات الجيش السوري، ولا يبقى في الميدان سوى الإرهاب الدولي. وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه السوريين والإقليم والعالم. وتتطلب مواجهته تقديم دعم وطني غير مشروط للجيش السوري، من جهة، والتعاون الوثيق بين جيوش المشرق من جهة أخرى. وهو واقع سيفرض نفسه على القوى الإقليمية والدولية، شاءت أم أبت. ولذلك، فإن كل التهجّمات الغربية على الانتخابات السورية، لا تعدو كونها، من الناحية الاستراتيجية، صفراً.

في كل الأحوال، حين نضع، جانباً، سيناريو الانقلاب العنفي المدعوم من الخارج، ونتوصل إلى عقد انتخابات رئاسية كاملة الأوصاف؛ فهل هناك في صفوف قيادات المعارضة ــــ بكل أطيافها ــــ مَن يستطيع الادعاء بأنه قادر على تحقيق فوز انتخابي على الرئيس بشار الأسد؟ ربما تتبلور، خلال السنوات السبع المقبلة، شخصيات ذات امكانيات تنافسية. وهذا ما نأمله. لكنها ليست موجودة الآن.

هناك مرحلة سياسية انتهت في سوريا؛ لم تعد صيغة جنيف واردة، ولم يعد لها رعاة؛ فلقد حددت الخارجية الروسية موقفها، بوضوح، لمَن يريد أن يفهم الحقائق الجديدة: «الأسد فاز في هذه الانتخابات بأغلبية ساحقة رغم محاولات المعارضة المسلحة تخويف المواطنين»، وهو، تالياً، «يملك الحق في تشكيل الحكومة الجديدة، التي يمكن أن تضم بعض ممثلي المعارضة»؛ بل نؤكد أنه ينبغي أن تضمّ كل ممثلي القوى الوطنية والفئات الاجتماعية والحساسيات السورية، في حكومة موسعة، تستكمل شرعية الرئاسة بالشرعيّة الحكومية.

الأسد، بعد 3 حزيران 2014، رئيس لكل السوريين، المؤيدين والمعارضين والمختلفين والمُطالبين، الذين اقترعوا له أو ضده أو قاطعوا الانتخابات أصلاً؛ وهو يمتلك، اليوم، أكثر من أي وقت مضى القوة اللازمة ليس فقط للئم الجراح والمصالحة واستيعاب المتمردين واستعادة اللاجئين وتوحيد السوريين على أساس التعددية، بل، وأيضاً، لتحشيدهم، جميعاً، في مشروع إعادة البناء، شركةً في القرار والإدارة والعمل.