اللجنة الوزارية تبدأ أعمالها من مكان تحطم الطائرة واتصالات مع فرنسا لاستعادة الجثامين
رحلة البحث عن ضحايا «الجزائرية» انطلقت
مع تقاطع المعلومات والتصريحات الرسمية عند الإعراب عن فقدان الأمل في نجاة أي من ركاب الرحلة الجزائرية المنكوبة استناداً إلى ما أظهرته الصور الملتقطة من موقع الحادثة من انشطارها وتفكك أجزائها إلى «مئات القطع الصغيرة» وتبعثر حطامها على مساحة «عشرات الأمتار» من الأراضي الوعرة شمال مالي ما دفع وزيرة الدولة المكلفة شؤون الفرنسيين في الخارج فلور بيلوران إلى استبعاد «امكانية جمع أشلاء كل الضحايا»، أطلقت الحكومة اللبنانية أمس رحلة البحث عن ضحايا الطائرة اللبنانيين لجلاء مصيرهم واستعادة جثامينهم من خلال اللجنة التي كلفها مجلس الوزراء الانتقال إلى مالي لمواكبة الأعمال والتحقيقات الجارية هناك بالتوازي مع مباشرة المديرية العامة للمغتربين إجراءات أخذ عينات «الحمض النووي» من ذوي الضحايا للتعرف عليهم تمهيداً لتسليمهم الجثامين فور استعادتها.
وأفادت مصادر ديبلوماسية «المستقبل» أنّ «اتصالات لبنانية – فرنسية رفيعة المستوى جرت خلال الساعات الأخيرة طلب خلالها الجانب اللبناني مساعدة باريس في عملية البحث عن الضحايا اللبنانيين الـ19، وتمنى على السلطات الفرنسية إيلاء الاهتمام بهذا الموضوع في سياق مساعيها الجارية لاستعادة جثامين مواطنيها الذين كانوا على متن الرحلة المنكوبة».
المصادر الديبلوماسية أوضحت لـ«المستقبل» أنّ اللجنة الرسمية المؤلفة من ممثلين عن وزارة الخارجية والأمن العام والهيئة العليا للإغاثة «ستبدأ أعمالها من مكان تحطم الطائرة «أم دي 83» في مالي حيث ستباشر مهمتها في تقصي الوقائع التي أدت إلى وقوع هذه الكارثة من خلال مواكبة الأعمال الميدانية وإجراء سلسلة اتصالات مع المسؤولين الفرنسيين والماليين والجزائريين»، مشيرةً في ما يتصل بعملية نقل جثامين الضحايا اللبنانيين إلى أنّ هذه العملية لا تزال في مراحلها الأولى بانتظار نتائج عمليات البحث الميدانية وفحوصات الـ«DNA» لتحديد هويات الضحايا وجثامينهم بالمقارنة مع فحوصات ذويهم في لبنان.
إلى ذلك، علمت «المستقبل» أنّ الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم شكلت لجنة برئاسة رئيس المجلس القاري الافريقي نجيب زهر لمواكبة تداعيات كارثة تحطم الطائرة الجزائرية، على أن تقوم هذه اللجنة بمهمتها بالتنسيق والتواصل مع أهالي الضحايا ومع اللجنة اللبنانية الرسمية المكلفة متابعة الكارثة.
.. والأهالي يترقبون
وفي لبنان حيث أجرى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام اتصالات تعزية بعائلات الضحايا أكد لهم خلالها «استنفار جميع الادارات والأجهزة المعنية بإيعاز من الحكومة للقيام بواجبها الوطني والانساني وبذل كل الجهود للتعرف إلى الضحايا تمهيداً لإعادة جثامينهم إلى الوطن»، عقد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل مؤتمراً صحافياً أمس أعلن فيه التأكد من وجود «19 لبنانياً» على متن الرحلة المنكوبة، مشيداً بالتعاون الذي تبديه السلطات الفرنسية لمساعدة الدولة اللبنانية لوجستياً، مع إشارته إلى أنّ المنطقة التي تحطمت فيها الطائرة «تشكل منطقة حرب ونزاع كبيرة والعمل فيها يتم بظروف صعبة جداً وإمكانات ضئيلة». بدوره أوعز وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق للأجهزة والإدارات المعنية تسهيل إجراءات سفر الراغبين من عائلات الضحايا لمواكبة أعمال البحث عن أبنائهم، كما أعطى توجيهاته إلى المحافظين والقائمقامين لزيارة ذوي العائلات المنكوبة في محافظات الجنوب والنبطية وجبل لبنان للوقوف عند احتياجاتهم ونقل اهتمام الحكومة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة حيال هذه الكارثة الوطنية.
وفي إطار مواكبة المأساة التي حلت على أهالي الضحايا، نقل مندوب «المستقبل» إلى بلدة الخرايب (قضاء صيدا) مرارة الصدمة والذهول التي تسيطر على أبناء البلدة جراء فقدان ابنها بلال أسدالله دهيني وعائلته المؤلفة من زوجته الألمانية وأولادهما الثلاثة ريان (11 عاماً) وأوليفيا (8 أعوام) ومالك (4 أعوام)… «ألله يرحمو. يا ويلي شو صعبة هالكلمة» تقول ابتسام وهي تنظر إلى صورة شقيقها بلال في منزل العائلة المنكوبة، وتستدرك بحسرة: «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا (…) راح وأخذ العيد والفرحة معه». أما شقيقهما عباس فيبدو رافضاً التسليم بوقوع المصيبة: «بلال لا يزال مفقوداً ونأمل من الله ذلك»، مضيفاً: «السلطات اللبنانية تقوم بالدور المطلوب منها (…) لكن ألسنا قادرين على منع الناس من اللجوء إلى طائرات غير آمنة؟ نريد حلاً للمشكلة قبل أن تقع، والحل هو أن تصل الخطوط الجوية اللبنانية إلى كل بلدان الاغتراب».
أما في الزرارية في الزهراني، حيث يسيطر الذهول على ذوي محمد فيصل خضر بعد فقدان اتصالهم به منذ أن علموا بنيته المجيء لتمضية عطلة العيد معهم في لبنان، فيتحسّر عمه وجيه قائلاً: «كنا ناويين نخطبلو (…) ليس لدينا معلومات بعد، كل واحد بيرمي خبرية. لم يتصل أحد بنا ليطمئننا أو ليخبرنا خبراً جديداً».
وفي حاريص، حيث يغص منزل ذوي العائلة المفجوعة بفقدان ابنها منجي حسن وزوجته نجوى عباس زيات وأولادهما الأربعة محمد رضا (13 عاماً) وحسن رضا (10 أعوام) وحسين رضا (9 أعوام) ورقية (7 اعوام)، ترثي أم منجي ابنها وتردد: «ما بقى إلي حدا من ريحة الحبايب»، بينما يقول عبدالله حسن خال نجوى: «كنا نعد لاستقبالهم (…) لم نصدق أنّ الطائرة سقطت، وما زاد حرقتنا أنّ أحداً من المعنيين لم يتصل بنا لإبلاغنا حقيقة ما حصل».
معلومات وسيناريوات
تجدر الإشارة إلى أنّ معلومات صحافية ذكرت أمس أنّ الطائرة المنكوبة «أم دي 83» هي من صناعة شركة «ماكدونالد دوغلاس» الأميركية التي أصبحت جزءاً من شركة بوينغ لصناعة الطائرات ولا تزال تُستخدم على نطاق واسع رغم أنّ الشركة المصنّعة كانت قد أوقفت إنتاج هذا الطراز من الطائرات منذ العام 1999.
وفي ما يتعلق بالسيناريوات المفترضة لأسباب تحطم الرحلة، تتقدم فرضية الغبار وسوء الأحوال الجوية على ما عداها من فرضيات ولا سيما أنّ وزير النقل في بوركينا فاسو جان برتين ودراجو كشف أنّ الطائرة كانت قد «طلبت تغيير مسارها بسبب عاصفة في الصحراء». في وقت استبعدت الوزيرة الفرنسية فلور بيلوران فرضية العمل الإرهابي وراء تحطم الطائرة من خلال تأكيدها «عدم وجود أي شخص مشبوه على متنها»، وذلك بالتزامن مع إعلان هيئة الطيران الفرنسي أنّ الطائرة المنكوبة كان قد تم إخضاعها للفحص الفني الدوري في مدينة مارسيليا قبل ثلاثة أيام فقط من وقوع الحادث، ما دفع كذلك باتجاه استبعاد أن يكون عطل تقني هو الذي أدى إلى تحطمها. وأوضح وزير النقل الجزائري عمار غول أنّ الطائرة المنكوبة المستأجرة من شركة إسبانية «سبق أن قامت خمس مرات بالرحلة عينها بين الجزائر وواغادوغو» قبل الرحلة التي انتهت إلى تحطمها.