IMLebanon

رحلة «بركان متحرك» إلى بنت جبيل

طيلة ثلاثة وثلاثين يوما حملوا دماءهم على أكفهم. لم يميزوا ليلهم من نهارهم. جل همهم هو إيصال الذخيرة الى رفاقهم في الميدان. هم رجال «وحدة الدعم في المقاومة». لم ترهبهم طائرات الاستطلاع القاتلة التي كانت تلاحقهم كظلهم من بلدة الى أخرى، ولا هدير الصواريخ التي تسابقهم لتقطع عليهم الجسور والطرق.

لم تُدْخِلِ الطائراتُ الإسرائيلية الخوف الى قلوب هؤلاء الرجال، ولم تنل 17,500 طلعة جوية من عزيمتهم. أجادوا لعبة التخفي وتضليل «وحدة شلداغ» التي نشرت قوات خاصة (مموهة) في معظم المناطق اللبنانية لكشفهم والحد من تحركاتهم.

كانت لرجال «وحدة الدعم» طرقهم الخاصة ووسائلهم المبتكرة لإمداد المقاومين بالذخيرة والسلاح والطعام والوقود. لم تمنعهم الجسور المهدمة من متابعة خط سيرهم، فكانوا يبنون جسورهم المتحركة بأدوات بدائية وفي أوقات قياسية، مستخدمين الصفائح الحديدية، وأحيانا الألواح الخشبية للعبور بين ضفتي نهر أو جسر مهدم.

حَمَّلَت «هيئة الأركان» في إسرائيل سلاح الجو مسؤولية الفشل في شل عمل «وحدة الدعم». الخلاصات الاسرائيلية حول نتائج الحرب، بينت أنه لم يصب في الغارات إلا نحو ثُمن الآليات التي كانت تنقل الصواريخ والذخيرة الى عناصر المقاومة.

«عمار» لم يكن متفرغا في «وحدة الدعم» ولا مقاوما متمرسا. كان صديقا للمقاومين من أبناء بلدته في قضاء صور. تعرضت البلدة لغارات جوية متتالية، أدت الى سقوط عدد من الشهداء، وبينهم احد عناصر «وحدة الدعم» الذي كان مكلفا بنقل مئات الأشراك والعبوات الناسفة الى القطاع الأوسط. تسرب الى «عمار» خبر استشهاد رفيقه وحاجة المقاومة الى بديل، فطرح نفسه للمهمة قبل ان يعرف ماهيتها.

رفضت المقاومة بادئ الأمر إسناد المهمة اليه، وحاولت ثنيه للتراجع عن قراره، عبر مصارحته بمحتويات «الفان». كانت المفاجأة انه صار اكثر إلحاحا لتولي المهمة.

في اليوم المحدد، انطلق «عمار» ابن العشرين ربيعا، في السيارة التي أطلق عليها رفاقه اسما حركيا: «البركان المتحرك»، نظرا لحساسية المواد المتفجرة التي كانت موجودة داخلها وحجمها. المهمة لا تحتمل الاجتهاد. إذ ثمة قاعدة معروفة في علم «التخريب» والعبوات الناسفة وأخواتها.. ألا وهي أن «الخطأ الأول يكون الأخير».

ودّع رفاقه وداع الاستشهاديين. كان الوصول الى منطقة بنت جبيل محفوفا بالمخاطر، فطرقات القرى والبلدات التي سيسلكها مقطعة الأوصال بسبب الحفر التي خلفتها الغارات الإسرائيلية. دخل «عمار» في تحد مع الذات. السرعة ممنوعة وعليه تنفيذ تعليمات القيادة بحذافيرها. قاد سيارة «الفان» بهدوء، ابتسم له القدر مرات عدة بعدما كاد الموت يدركه، حيث كانت القذائف والصواريخ رفيق دربه الأوحد. بعد فترة طويلة من الوقت، تلقت وحدة الدعم في صور اتصالا بواسطة اللاسلكي، من منطقة بنت جبيل، تضمن عبارة واحدة: «الامانة وصلت».