ولدي الحبيب،
قد تقرأ يا ولدي هذه الرسالة، وقد لا يتسنّى لك ذلك، لأن هناك مشيئة قاهرة، تفرض عليك أن تقرأ، وان تقول ما تريده هي وما تسمح به، ولكننا احببنا، امك واخوتك واطفالك ورفيقة عمرك، وانا ان نشعرك، وانت في غربتك القسرية، انك معنا في كل ساعة ودقيقة ولحظة، في يقظتنا الطويلة، وغفوتنا القصيرة، أنت معنا، تأكل معنا، تنام معنا، تستقبل الأهل والاصدقاء والجيران معنا، وتودّعهم معنا، وأكثر من هذا، نراك تصلّي معنا ان يحفظ الرب لبنان واهله وجيشه، وان ينهي محنة المظلومين.
ولدي الحبيب،
انت ورفاقك يا ابني، أكثر من شهداء أبطال قضوا في ساحة الشرف، ولاقوا وجه ربهم، راضين مرضيين.
أنتم منذ وقوعكم في قبضة الأسر، شهداء احياء، تحكمكم وتتحكّم بكم جماعات ومسلحون، فتحتم لهم حدود وطنكم وبيوت اهله، ووفّرتم لهم الحماية والامان، فردّوا الجميل بقتل رفاقكم، وبخطفكم، واصلتوا فوق رؤوسكم سيف الاعدام، يسرقون بواسطته من عيونكم، الرغبة بالنوم او الأكل، ويحوّلونكم الى سلعة للمقايضة، وانتم الرجال الرجال الذين بنيتم حياتكم على مبادىء الشرف والتضحية والوفاء.
اباء المخطوفين جميعهم يا ولدي، وانا على ثقة في ما اقول، يعرضون بدورهم على الخاطفين مقايضة من نوع آخر، ان خذونا رهائن مكان اولادنا، فالتضحية من اجل الوطن والعائلة، فعل ايمان لدى اللبنانيين، بربهم ووطنهم وسيادتهم.
ولدي الحبيب،
انا ربّيتك «كل شبر بنذر» وهذه على ما اعتقد حالة جميع الاباء في لبنان، وعندما وقع اختيارك ان تكون جندياً، باركت لك هذا الاختيار، وشجعتك على سلوك طريق الدفاع عن استقلال لبنان وسيادته وحريته وكرامته، وافتخرت بك وما ازال، خصوصاً في محنتك القاسية اليوم، معتبراً انك نعمل لدى رب عمل واحد، هو لبنان، وليس لدى هذه الطائفة او هذا الحزب او هذا الشخص او هذا المسؤول، واذا كنت اليوم تشعر بالغضب حيال سوء تصرّف المسؤولين وترددهم وضياعهم في معالجة قضيتكم المقدّسة، فهذا من حقك، واذا كانت بعض القيادات السياسية، تتاجر بحياتكم، وبدماء الشهداء، لمصالح خاصة واهداف مشبوهة، فأرجو ان تفصل انت ورفاقك بين هؤلاء وبين لبنان الوطن، وحلم قيام الدولة القوية، وواجب المحافظة على صيغة العيش المشترك. ولكن عذاباتكم، وآلامكم، ودماءكم، واستشهاد رفاقكم، المطهر الذي يطهّر هذه الارض المقدسة، من دنس الغرباء، وتآمر الطامعين، وتخاذل المسؤولين وضعفهم، وتكالب البعض على السلطة والمغانم.
اعرفك قوياً يا حبيبي، حافظ على قوتك.
اعرفك مؤمناً، ثابر على ايمانك وصلواتك.
اعرفك شجاعاً، لا تخاف سوى الله، فثق ان الله لن يتركك.
شهادة رفاقك الشهداء، كانت حبة الحنطة التي ماتت لتعطي غلالاً كثيرة.
ومحنتكم ستكون الطعم الذي يعطي اللبنانيين ورفاق السلاح، المناعة الدائمة لمواجهة الصعاب.
كل اعيادنا مؤجّلة، وكل ضحكاتنا مقبورة، وكل افراحنا غائبة، بانتظار عودة العسكر، بانتظار عودة الابطال، بانتظار طلّتك، يا حبيب أمك وبيّك وخيّك وابنك وزوجتك، وجميع اللبنانيين الطيّبين الشرفاء.