IMLebanon

«رسالة» الشيخ..

ليست هيّنة أو بسيطة أو عابرة فلتات اللسان الكاشفة لذوات الصدور، خصوصاً إذا أتت من مُبلّغ أو موجّه أو مسؤول رفيع المستوى وفي تنظيم حديدي مثل «حزب الله» وفي شأن قضية كبيرة وحساسة ومركزية مثل قضية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.

ما قاله الشيخ نعيم قاسم بالأمس يشكل قمّة في ذلك القياس وفي الاستقراء النفسي، لا أعلى ولا أرفع. قال بالحرف «نحن فضّلنا أن لا تنعقد الجلسة (النيابية) بعدم إكمال النصاب كي لا يُدبّر أمر معيّن في الخفاء ونُفاجأ بأمور لا تنسجم مع كيفية العمل لإنتاج رئيس جمهورية البلد».

والتوضيح واجب وضروري: صاحب هذا الكلام ليس محللاً سياسياً، ولا كاتباً عابراً ولا مراقباً لمّاعاً، إنما ثاني أرفع مسؤول في «حزب الله». وهو يُفصح بأقصى قدر ممكن من الشفافية، بأن حزبه قرّر أخذ الأمور الى الحيطة والحذر كي لا «يفاجأ» بأمر جلل في قضية الانتخابات!

طبيعي جداً أن لا تكون رسالة إنعدام الثقة تلك موجهة فقط الى خصوم الشيخ قاسم و«حزب الله» أو إلى بعض القوى المصنّفة اليوم وسطية.. لو حصل، لكان الأمر بديهياً وطبيعياً، خصوصاً وان الأخصام مصنّفون في أدبيات الممانعة في خانة الأعداء المرتبطين بمشاريع أميركية إسرائيلية غربية تهدف الى التآمر على المقاومة وريادتها في العالمين ومن دون كلل أو ملل أو تراخ أو تراجع! ولا يعوّفون أو يفوّتون مناسبة أو فرصة لتفعيل نقوصهم الوطني الممانع! وعليه وَجُبَ الحذر والتحوّط والتدبير والحشد واليقظة إزاءهم.. وبالتالي، فإن الرسالة موجهة حُكماً ومنطقياً الى عناوين عدّة بعضها لحلفاء وبعضها الآخر لهؤلاء المصنّفين في الوسط، لكنها أيضاً موجّهة إلى عنوان حليف مُحدّد هو الجنرال ميشال عون لا غير.

ما يقوله نائب الأمين العام لـ«حزب الله» هو ان اليقينيات مؤجلة ومعطّلة. وان الثقة بالآخرين كلهم بالتساوي، تساوي الصفر إن لم يكن ما دونه. وان درعه الحامية من رمية غدر هي قطع الطريق سلفاً على الاحتمال والتمسك باليقين الخاص! وذلك (يا عزيزي الجنرال خصوصاً)، يكون بعدم السماح أساساً بانعقاد جلسة الانتخاب من خلال منع نصاب الثلثين من الاكتمال. لأن الاخوة في «تفاهم مار مخايل» لا يعرفون ماذا يخبئ الجنرال وماذا يفعل مبعوثوه تماماً الى باريس وروما وغيرهما! أو يعرفون ولا يثقون وهذه أسوأ! في حين لا ينظرون إلى الوسطيين باعتبارهم ملائكة على الاطلاق!

فظيعة هذه القصة وتدل بأشعة ليزرية على أن الحزب وقادته يعرفون مثلاً أنّ الجنرال مستعد لكل شيء بهدف الوصول الى الرئاسة.. «وكل شيء» هذه هي مربط الفرس، وكبيرة جداً، وتعني في المحصلة ما قبل الأخيرة، ان الحزب وقادته «يفضلون» من يعطيهم (ضمانات والتزامات؟) وليس من يأخذ منهم. لأنه في الحالة الثانية «سيأخذ» من غيرهم مثلما «أخذ» منهم إذا وجد مصلحة ذاتية في ذلك! في حين ان المعلوم المعروف، هو أن مصلحتهم هم في «المقاومة» و«المشروع الايراني» أكبر وأهم وقبل وفوق أي حليف أو صديق أو خصم أو عدو أو دولة أو كيان… أو لبنانيين أو سوريين!

.. وفي المحصلة الأخيرة، تعني رسالة الشيخ قاسم (البليغة حقاً) ان ثقة «حزب الله» بالجنرال والوسطيين سواء بسواء مثل ثقتهم بغيرهم: قريبة من الصفر!