لم تحمل الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية من حيث عناوينها الكبيرة اي مفاجأة غير متوقعة لجهة توزع الاصوات بين الدكتور سمير جعجع الذي حظي بأصوات 14 آذار والنائب هنري حلو الذي حظي بأصوات اللقاء الديموقراطي وبعض المستقلين وقوى 8 آذار التي صوتت بأوراق بيضاء اللهم باستثناء بضع اوراق تعيد فتح ملف الحرب. لكن الجلسة حملت دلالات في الشكل والمضمون والخلاصات استحوذت على مجمل المشهد وكان أبرزها:
– ان الجلسة الاولى لم تؤشر الى احتمال التوجه الى جلسة ثانية بغير المعطيات التي توافرت في الجلسة الاولى. فالدكتور جعجع أعلن من جهته على الأقل انه سيستمر في ترشحه وسيبقى في ميدان التنافس على موقع الرئاسة الاولى وانه لن يتراجع. وكذلك فعل النائب وليد جنبلاط الذي اكد الاستمرار في دعم ترشيح النائب هنري حلو. ومع ان قوى 14 آذار لا تملك فكرة واضحة عن المرحلة التي ستلي تزكية جعجع في الجلسة الاولى، فان مصادر سياسية تقول انه سيصعب على قوى 14 آذار التراجع عن هذا الدعم متى بدأت فيه خصوصا ان جعجع امتلك حيثية من 48 صوتا ولا يعتقد انه سيتراجع بعد محاولة الاستفزاز في سياق استحضار ملفات الحرب ولو انه قد يكون واثقا من انه في نهاية الامر سيحظى بلقب المرشح السابق لرئاسة الجمهورية .
– ان العداء ضد جعجع الذي انتقل التعبير عنه اعلاميا وسياسيا الى مجلس النواب والذي يوجه رسالة واضحة باستحالة وصوله الى سدة الرئاسة الاولى يوجه رسالة بالمعنى نفسه لكل الزعماء الموارنة ولو بنسب مختلفة خصوصا العماد ميشال عون والبعض يقول الرئيس امين الجميل ايضا بمعنى ان لكل منهم اعداء لدى طوائف معينة. والمغزى ان جلسات عدة قد تستنفد من اجل اقتناع كل من هؤلاء الزعماء ان لا مجال او فرصة بوصول احدهم الى موقع الرئاسة الاولى . وهو الامر الذي قد يستغرق كل المهلة الدستورية واشهرا بعدها قبل التوصل الى توافق حول الرئيس العتيد.
– فيما يحاول العماد عون ان يسبغ على نفسه طابع المرشح التوافقي غير المنضوي من ضمن فريق 8 آذار، فان موقفه بمثابة أحجية، اذ لفت مراقبين كثراً وقوفه في موقع واحد مع قوى 8 آذار لجهة التصويت بأوراق بيض من دون ان يسعى الى تمييز نفسه او كتلته بأي أمر أياً يكن في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وكان مسرعا جنبا الى جنب مع كتلة “حزب الله” الى الخروج قبل فرز الاصوات تجنباً للدورة الثانية التي يمكن ان تؤدي الى انتخاب رئيس. وفيما ينتظر العماد عون ان يكون الحل والبديل عن كل المرشحين الآخرين فانه واقعيا يغذي بعض التوجس لدى افرقاء كثر من امكان تناغم وتنسيق بينه وبين تيار المستقبل يمكن ان يوفر له حظوظا للرئاسة، في حين يبدو الامر مستبعدا بالنسبة الى مصادر عدة لاعتبارات من بينها قد يكون ابرزها صعوبة تبليع الطائفة السنية دعما لوصول عون لمجرد انه ابدى بعض المرونة في مسار سعيه الى الرئاسة الاولى (ما لم يكن تعهد او ابدى استعداداً جدياً لمواقف مختلفة كليا تناقض ما بات عليه في موقعه المتحالف مع “حزب الله”) في الوقت الذي يكتسب انتخاب احد داعمي قوى 8 آذار مغزى كبيراً في السياق الاقليمي والداخلي على الاقل، في الوقت الذي لم تخف الطائفة السنية اعتراضها بقوة على مشاركة المسؤول في “حزب الله” وفيق صفا واجتماعه في وزارة الداخلية. وفي الوقت الذي ينتظر عون دعماً سنياً لترشحه الى جانب الدعم الشيعي فان ثمة مخاوف من رد فعل مسيحي على دعمه يعيد مشهد الحرب بين المسيحيين ولو من دون متاريس اقله وفق ما تشهد على ذلك مواقع التواصل الاجتماعي المعبرة بقوة عن استمرار المشاعر الحادة داخل البيت المسيحي.
– لعل في ترشيح اللقاء الديموقراطي النائب هنري حلو أبعد مما تم التعبير عنه ان في شأن الانزعاج من النائب جنبلاط لترشيحه نائبا من كتلته لموقع الرئاسة المسيحية لعدم رغبته في دعم عون او جعجع ودعما للوسطية. فهنري حلو يشكل نموذجاً من دون ان يكون هو حصراً لما قد يكون اقرب المحتمل بالنسبة الى قوى 14 آذار، اي ايصال شخصية ليست بعيدة منها وليست محسوبة عليها خصوصا في ظل اعتراض عميق على امكان انتخاب عون. ومطالعة النائب جنبلاط المشيدة بالرئيس سليمان ووسطية الرئيس نجيب ميقاتي تفيد بعدم استعداده لغلبة فريق على آخر في وقت اثبت انه بـ16 صوتا هناك حاجة ماسة اليه لتعديل موازين القوى.
– مع ان جلسة الانتخاب الاولى لم تدم اكثر من نصف ساعة فقد لفت المراقبين دخول خبر سوري على المشهد الانتخابي الرئاسي خلال هذا الوقت بالذات وهو خبر ليس مهماً او مؤثراً ويفيد بترشح احد اعضاء مجلس الشعب السوري للرئاسة في سوريا التي حددت الانتخابات فيها في 3 حزيران المقبل. الا ان ذلك كان لافتا من زاوية ما يعنيه تصويت 8 آذار بالاوراق البيض ومسارعتها الى مغادرة الجلسة قبل فرز الاصوات من ترجيح لاحتمال ان تكون الانتخابات الرئاسية اللبنانية رهينة الانتهاء من الانتخابات الرئاسية السورية. اذ يقول سياسي من هذه القوى ان الاسد لن يقبل بان ينال التهنئة من رئيس لبناني بل هو من يهنئ الرئيس العتيد للبنان.