ليس ما يبرز التلاحم الإسلامي-المسيحي في الوطن العربي سوى تكاتف لبناني والتفافه حول قضايا العالم العربي بمسيحييه ومسلميه. هنا يبرز دور تيار «المستقبل» في احتضان قضية مسيحيي الموصل والدفاع عن وجود المسيحيين هناك في وجه كل الحركات المستجدة والدخيلة التي تسعى الى إفراغ الشرق من مسيحييه، وتهجيرهم منه. ولأن الأصدقاء يُمتحنون في وقت الشدّة، فإن المحنة التي يمرّ بها مسيحيو الموصل في العراق آلَمَتِ التيار المعتدل، فكانت لفتة من وزراء ونواب «المستقبل» لزيارة مطران الكلدان ميشال قصارجي، ومطران السريان للروم الأرثوذكس دانيال كورية، أمس الأول، ويزور وفد «المستقبل» نفسه مطران الأشوريين في لبنان الثلاثاء المقبل.
ويكاد يكون تحالف قوى 14 آذار في لبنان الدليل الأبرز على المخاوف التي يشعر بها المسلمون على الوجود المسيحي والعكس صحيح. فقد ذاق مسيحيو الموصل التهجير والتنكيل، ما لم يشهدوه في الحرب على العراق قبل أكثر من 10 سنوات. والتضامن هنا يخرج عن مسار التفسيرات الدينية والطائفية الضيّقة و»يشذّ» عن المصالح الشخصية أو الانتخابية، إنه الواجب الإنساني الذي يجعل المجموعة وحدة متراصّة، ويجعل مصير المسلمين مرتبط بمصير شركائهم المسيحيين والعكس.
الموصل ليست وحدها، هذه الرسالة التي أراد الرئيس سعد الحريري إبرازها بما فيها من نبذ للتطرّف والحفاظ على التاريخ المشترك بين المكوّنات كافة. تيار «المستقبل» لم يقم بمجرّد زيارة للمطرانيّتين، بل اقترح تقديم المساعدات للمطرانيات، ووضع التيار إمكانيات الوزارات بين أيدي المطرانين ووعد باستكمال زياراته للطوائف المسيحية الأخرى المعنية.. مع هذا لن تصحّ بعد اليوم تسمية الأقليات، عددياً، لبعض الطوائف المسيحية طالما أنه «في الاتحاد قوة».
«كل الطوائف معنية» بالنسبة الى وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج، الذي التقى بعض العائلات إثر زيارته المطرانية مع وفد «المستقبل». ويتابع «أكثرهم من الكلدان وقد التقيناهم، لم يقتلوا أياً منهم لكنْ يخيّرونهم بين إعلان إسلامهم أو المغادرة، كثر قرروا البقاء إنما لا أعرف تحت أي شروط، أما الغالبية فتغادر عبر كردستان الى إربيل ثم الى بيروت».
وأشار دو فريج الى أن «الجميع يدخل بطريقة شرعية، لكن المشكلة بعد وصولهم حيث تحدّد لهم الإقامة بأسبوعين، فإلى أين يذهب هؤلاء بعد انقضاء المدّة القصيرة؟ وكيف يتم تجديد الإقامة؟ فإما اعتبارهم لاجئين، إلا أن الإقامة تنزع عنهم هذه الصفة، وإما من دون إقامة فيتم إدخالهم الى السجن، إنها معاناة أخرى».
وعن دور تيار «المستقبل» في تقديم المساعدة، أجاب دو فريج: «قلنا لهم نحن في زيارة تضامن، وبأن أيًّا من الأحزاب المعتدلة، وعلى رأسها «المستقبل»، لن يقبل بمثل هذه المعاملة سواء للمسيحيين أو المسلمين، فالعيش المشترك هو قيمة مضافة لكل بلد يعيشه، وما يحدث اليوم أن المؤامرة تضعف كل الطوائف، لذا فإننا سنتّخذ سلسلة خطوات استباقية، خصوصاً أن تيار «المستقبل» هو عابر للطوائف، وما يهمّنا هو أن نعطي لكل إنسان حقّه و»كل واحد عَ دينو الله يعينو».»
وتابع دو فريج: «لقد وضعنا أنفسنا بتصرّفهم، وسنتعاون في ذلك مع الدوائر الرسمية ووزارة الصحة والشؤون الاجتماعية، وإن كنّا نساعد اللاجئين السوريين الذين يدخلون الى لبنان فإن من الضروري أن نساعد بعض العائلات العراقية التي تهرب الى لبنان». ولفت الى أن العائلات العراقية «تقصد غالباً منطقتي سدّ البوشرية والسبتية، والمطرانية تقدّم لأفرادها بطاقات تعرّف عنهم، لكن ليس بمقدورهم الوصول الى دوائر الدولة».
ولا يخفي دو فريج هواجسه من «كون الدول الأوروبية تفتح أبوابها لاستقبال لاجئين مسيحيين عراقيين، وبرأيي فإن اللاجئ الذي يهرب الى بلد أوروبي فإنه لن يعود أبداً الى وطنه الأم، ويخيفني هذا الاستقطاب ونقل المسيحيين من مكان الى آخر وهذا ما يتناقض مع حقوق الإنسان، فكل الأديان السماوية وُجدت هنا وعلينا احتضان الجميع».