رسالة من فوق ضهر البيدر
التحذير المفاجئ من وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي ألغى المؤتمر الاختياري الاول قبل ظهر امس في قصر الاونيسكو كان إنذاراً غير مباشر حول انفجار ضهر البيدر. ولا ريب في ان المعلومات الامنية التي أفضت الى إلغاء هذا المؤتمر تتضمن معطيات تسلط الضوء على مرحلة ما زالت حتى الان موضع تكهنات. فهل ما وقع في ضهر البيدر هو أول تداعيات إعصار العنف الذي يضرب الهلال الكئيب وليس الخصيب والممتد من بلاد ما بين النهرين شرقاً الى لبنان غرباً مروراً طبعاً بسوريا؟ بالطبع لا دخان بلا نار. فالاستنفار الذي دقّ “حزب الله” نفيره في الضاحية الجنوبية لبيروت كان الإشارة الأولى. لكن ما لم يعلنه الحزب حتى الآن هو عدد الضحايا الذين سقطوا في صفوفه وهم يقاتلون في سوريا ولا سيما في معركة استعادة بلدة كسب من المعارضة السورية على الحدود السورية – التركية.
مرة أخرى، يواجه لبنان معضلة استحضار العنف الى أراضيه طالما ان هناك من أعلن انه ذهب الى منبعه في سوريا ولاحقاً الى العراق. لقد قال ذلك الأمين العام لـ”حزب الله” بنفسه قبل أيام عن “استعداد الحزب لتقديم خمسة أضعاف الشهداء الذين سقطوا في سوريا من أجل المقامات في العراق”. وبصرف النظر عن وجاهة هذا المبرر الذي يسوقه نصرالله، يمكن القول ان خريطة سايكس – بيكو التي رسمتها الامبراطوريتان البريطانية والفرنسية عام 1916 ترتسم مكانها حالياً خريطة المقامات. فمن أجل مزاعم حول هذا المقام أو ذاك تسيل دماء في حروب التعصب والكراهية التي يقودها طغاة لم نعلم أبداً أنهم من أهل التقوى.
ماذا عن لبنان؟ من حسن حظ هذا البلد ان موجة الجنون الجديدة أتت متأخرة بضعة أشهر على رحيل حكومة كان فيها ملامح من حكومة نوري المالكي التي تدفع العراق الى الجحيم وأتت بدلاً منها حكومة تحفظ التوازن الذي منح لبنان أملاً باستقرار وصيف واعد. بالطبع يجب الانتباه الى ان الطريق لن تبقى مفروشة بالورود والمثال من طريق ضهر البيدر. كما ان مطار رفيق الحريري الدولي ليس لاستقبال المصطافين الذين نشتاق الى قدومهم، بل هو أيضاً مهبط لطائرات غادرت بمقاتلي الميليشيات العراقية التي عادت من سوريا الى العراق حيث بدأت الحرب هناك مجدداً. لكن في المقابل، هناك فسحة هدوء في منطقة مجنونة طالما ان هناك عاقلاً من وزن الرئيس سعد الحريري لم يجنّ بـ”زلّة لسان” العماد عون، وطالما ان هناك مقامات ومقدسات على امتداد لبنان تُرشق بالزهور فقط وليس بالمزاعم.
المطلوب ان يصدّق من هم مسؤولون في لبنان أنهم ليسوا مُلزمين ان يمتثلوا لصراع “حزب الله” و”داعش”. كما ان عليهم أخذ العبرة من لعبة أمم لن يربح فيها من هو أصلاً بيدقاً على رقعة شطرنج هذه اللعبة. ففي هذه اللعبة نرى ان “أوباما يوم لك ويوم عليك”. وكل الأوهام التي صنعت بطولات في الأعوام الأخيرة تبيّن أنها نسخة رديئة لمأساة دونكيشوت. ما نأمله تحييد لبنان عن حفلة الجنون والمدعوين إليها وهذا ممكن جداً.