IMLebanon

رياح التقسيم الواقعي تهبّ من العراق ماذا ينتظر المسيحيون لمواجهة الخطر الكياني؟

مع انتقال التطورات الاخيرة في العراق الى مرحلة مفاجئة، اهتمت غالبية الاوساط السياسية اللبنانية بالتداعيات المحتملة على لبنان نتيجة سيطرة عناصر من الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) على الموصل والمناطق السنية من جانبين على الأقل: الاول احتمال تدحرج اتساع سيطرة هذا التنظيم من سوريا والعراق الى لبنان بأي نسبة كانت، والثاني المخاوف التي ساورت كثر من انفتاح ابواب الفتنة السنية – الشيعية في العراق على غاربها مع دعوة مراجع شيعية الى التسلح ومواجهة الجهاديين الذي ساروا على نحو مواز وثورة سنية ضد السلطة العراقية بقيادة نوري المالكي كما شعور ايران بتهديد حقيقي لنفوذها في العراق وانعكاسات ذلك على سوريا وصولاً الى لبنان. الا ان أحد أبرز الجوانب المقلقة في رأي مراقبين ديبلوماسيين الى المخاوف من حرب سنية – شيعية في المنطقة تنطلق من العراق فيما هي دائرة في سوريا منذ اكثر من ثلاث سنوات بحيث لا بد ان تتطور وتنسحب على لبنان ايضاً بعد فترة لجم وضبط اقليميين ودوليين، هو التقسيم الواقعي الذي حصل في العراق بين مناطق سنية واخرى شيعية وثالثة كردية ما وسّع الحديث عن متغيرات في خريطة المنطقة وفق ما اقرها اتفاق سايكس – بيكو في القرن الماضي وانهيار هذه الخريطة لمصلحة متغيرات كيانية باتت تتخذ شكلاً واقعياً وجدياً اكثر مما اكتسبته في سوريا. والمخاوف كما الخطورة في هذا التقسيم الذي بات كثر يرون صعوبة او عدم امكان عودته الى الوراء ما قد يدفع في أقل الاحوال الى فيديرالية تنطلق من العراق لتعم دول المنطقة، ان التقسيم لن يقتصر على العراق وحده لا بل يحتم ان يشمل سوريا الطامح نظامها الى البقاء في السلطة فيما يستحيل عليه ذلك. اذ ان الخلاصة الاساسية والثابتة للتطورات العراقية ادت في ادنى احتمالاتها الى خلاصة ان الانظمة الاستبدادية في المنطقة غير مقبولة اطلاقاً تحت وطأة استفزاز ثورات ضدها ونشوء متطرفين وجهاديين، وان الطائفة السنية التي تشكل اكثرية في سوريا لن تسمح للأسد بالحكم ولا بالتمتع بالصلاحيات التي تمتّع بها الحكم السوري طوال عقود.

ما يخشاه مراقبون معنيون في ضوء هذه التطورات الا يبقى لبنان في منأى عن رياح التقسيم في حال هبت في المنطقة كما يجري حتى الآن في العراق وسوريا. والخطورة على هذا الصعيد انه وفي ظل ايلاء التهديدات التي يمكن ان يشكلها داعش وامثاله على لبنان، ان لا اهتمام يذكر على اي صعيد بالاحتمالات الاخرى اي السياسية والكيانية منها. ومن المستغرب بالنسبة الى هؤلاء في شكل خاص ان يغرق اقطاب الطائفة المارونية في لعبة تقليدية من التنافس على شغل موقع الرئاسة الاولى في حين ان المخاطر اكبر من ان تسمح بهذا الترف. اذ كيف يمكن التحوط امنياً وسياسياً لخطر تنظيم “داعش” وما يمكن ان يحمله على لبنان ولا يمكن التحوط للتقسيم المحتمل جداً في المنطقة وكيف يمكن تحصين لبنان ازاءه، في حين ان الشغور في موقع رئاسة الجمهورية قد يوفر عناء كبيراً على هذا المخطط كأمر واقع الذي يخشى الا يعفي لبنان ايضا؟

لا يزال الافرقاء اللبنانيون ولا سيما منهم المسيحيون يتعاطون مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية من ضمن عدة الشغل التقليدية، في حين يرى اصحاب فكر ورأي ان خطورة ما تمر فيه المنطقة ينبغي ان تخرج هؤلاء الى التحرك بأدوات من خارج اللعبة والعمل بقوة على مجموعة امور ملحة:

اولاً: تجاوز المصالح الخاصة والضيقة في عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية والذهاب الى توافق اجباري يضغط على كل الأفرقاء من اجل الوصول الى انتخاب رئيس جديد في اسرع وقت وعدم ترك هذا الموقع في مهب التطورات الاقليمية والدولية لما يترتب على الاقطاب الموارنة من مسؤولية تاريخية قد لا تعني ربما لهم الشيء الكثير باعتبار ان ثمة مسؤولية لم يتحملها كثر منهم عن الحرب وما اوصلوا المسيحيين اليه خلالها. الا ان المنطقة تقف على عتبة مصيرية ومن الخطورة بمكان عدم الارتقاء الى مستوى هذه المرحلة من خلال المراوحة في الفراغ وعدم التنازل لانتخاب رئيس للجمهورية يساهم في قيادة الجهود لحماية لبنان وتحصينه في ظروف خطرة جداً. وقد يصل الى الاقطاب الموارنة صدى استمرار تأييد مناصريهم لهم في مواقفهم لكن الرأي العام المسيحي محبط ومنزعج جدا من أداء متواصل لم يتغير خلال ثلاثة عقود ايا يكن المسؤول.

ثانياً: السعي الى الالتقاء مع كل الافرقاء في الداخل ومحاولة العمل مع الخارج من اجل استبعاد كأس التقسيم عن لبنان في حال كان هذا الاخير احتمالاً ضاغطاً لا مفر منه في المنطقة انطلاقاً من واقع ان لبنان اصغر من ان يقسم الى كيانات طائفية وخطورة ذلك على مكوناته، على رغم ان البعض يعتبر ان هذا الاحتمال في حال وروده بالقوة التي بات يتوقعها المراقبون لتطور الوضع في العراق وسوريا قد يكون عصياً على المواجهة. فان يكون هنا رؤية لدى لبنان للبقاء موحداً ومواجهة اعاصير التقسيم امر ملح وضروري ولو على نحو استباقي واحترازي. لكن هذا الامر قد يشجع في المقابل على التفكير في التحوط من خلال عدم الافساح في المجال ان يذهب المسيحيون وكذلك الامر بالنسبة الى اقليات اخرى في لبنان والمنطقة “فرق عملة”.