IMLebanon

ريبةُ جنبلاط ومسؤوليةُ الدولة اللبنانيّة

النائب وليد جنبلاط من الزعماء اللبنانيين القلائل الذي يستشعر الأخطار، فيُنبِّه منها ويُحذِّر ويُطلق الصوت تلو الصوت، وله في هذا المجال عبارته الشهيرة التي أصبحت مضرباً للمثل، وهي:

فقط إنّي أُحذِّر.

***

إستشعارُهُ الخطر له عدّة أبعاد:

فهناك البُعد العربي، وهناك البُعد اللبناني، وهناك البُعد الدرزي بما يعنيه من إنعكاسات على البعدَيْن العربي واللبناني.

***

آخر تحذيرات الزعيم تلك التي أطلقها إثر الأحداث التي شهدتها منطقة السويداء في سوريا. فمنذ بدء الحرب السورية والنائب جنبلاط يُحذِّر من مغبة الإنغماس الدرزي السوري فيها، سواء من جانب المنخرطين في الجيش العربي السوري، أو من أبناء جبل العرب. خلفية هذه التحذيرات، خشيةُ النائب جنبلاط من أن يؤدي هذا الإنخراط، إلى أن يدفع المواطنون الدروز ثمن صراعات أكبر منهم.

هذا الجهد المتواصل على مدى ثلاثة أعوام ونصف، أثمر نجاحاً في تحييد الساحة الدرزية في سوريا ولبنان، إذا صحَّ التعبير، عن تلك الحرب، فبقيت منطقة السويداء محيَّدة إلى حدٍّ بعيد، كما إنَّ منطقة الجبل اللبناني يسعى وليد بك، وبمثابرة يومية، إلى إبعاد كلِّ ما يمكن أن ينعكس من الصراعات السورية عليها.

***

حَدَثَ في السويداء منذ أيام ما أقلقه كثيراً.

قتالٌ بين دروز السويداء وقبائل محيطة أدَّى إلى سقوط عدد من المشايخ بين قتيلٍ وجريح، إستشعر جنبلاط الخطر فأطلق تحذيرَهُ الأول، معلناً أنَّ الهوية المذهبيّة لا تحمي الأقليّة الدرزيّة المنتشرة بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلّة وبعض المناطق الأخرى، إنَّما وحدها الهوية العربيّة الجامعة التي تصون هذه الطائفة في إطار محيطها السياسيّ والجغرافيّ الطبيعي.

كما دعا كل فاعليات ومشايخ الدروز، للتحلّي بأعلى درجات المسؤوليّة والوعي والعقلانيّة، لبناء تفاهماتٍ وتحقيق مصالحات مع المحيط، لأنَّ في هذه السياسة ما هو أجدى من توسل السلاح.

هكذا يكون النائب جنبلاط قد خرج من الدائرة الضيقة إلى ما هو أرحب، ولكن هل هذا يكفي؟

وهل بهذا الخروج إلى المدى الأكثر رحابةً يكون قد حمى الطائفة الدرزية؟

أكثر ما يرتاب منه أن ينتقل هذا النوع من الصراع إلى بعض مناطق جبل لبنان، فهو من باب حرصه على الإستقرار العام في المناطق اللبنانية كافة وفي الجبل خصوصاً، يتابعُ باهتمامٍ بالغ حركة النازحين السوريين في مفاصل رئيسية في الجبل، حيث تقع منازل مهجورة عدّة، والدافع إلى الإرتياب أنَّه يخشى أن يتلطى عناصر من تنظيم داعش أو من جبهة النصرة تحت يافطة النازحين، فيتمركزون في نقاط إستراتيجية وفق أسلوب الخلايا النائمة، ثمّ يتحركون وفق أجندة تُعدُّ لهم من الخارج.

***

هذا القلق الذي يساور وليد بك له ما يُبرِّره من وقائع على الأرض، ولكنَّه ليس القلق الوحيد، فهناك في مناطق أخرى حالاتٌ مماثلة لحالة الجبل لكنَّها لا تأخذ البعد الكافي، لأنَّ ليس هناك مَن يثيرها على غرار أسلوب النائب جنبلاط، لكن هذا لا يعني أنَّها غيرُ موجودة.

***

في المحصِّلة، هناك ارتيابٌ عام، والأقطاب اللبنانية مهما بلغت من حرصٍ ودرايةٍ وحكمة، فإنَّ أدوارها تبقى محدودة، لأنَّ الدورَ الرئيسيّ والمهمة الرئيسية يجب أن تكون للدولة اللبنانية، التي يجب أن تقوم بواجباتها على أكمل وجه تجاه أبنائها، وأن تتحمل مسؤولياتها حيال كل المقيمين على أرضها.