الى ان يحدث ما ليس منتظراً، ليس في الامكان وصف الاستحقاق الرئاسي ــ جلسة بعد اخرى الى ان يصل رقمها الى 50 وربما اكثر ــ سوى بلعب بلا مباراة ولا اهداف. الملعب موجود، واللاعبون على ارضه. الا انهم اسرى الوقت الضائع
تتزامن الدعوة 38 الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 18 نيسان مع بدء دورات الاقتراع المفترضة للانتخابات البلدية والاختيارية. ومع ان لا توقعات جديدة تنتظر الموعد الجديد ــ الرتيب على غرار ما سبقه منذ ما بعد الجلسة الاولى في 23 نيسان 2014 ــ الا ان لتوقيته مع الانتخابات البلدية والاختيارية مغزى.
على الاقل في تقدير النائب سليمان فرنجيه الذي أسرّ الى المحيطين به ان تعذر وقوع الاستحقاق الرئاسي حتى هذا الوقت، سيجعل من الصعوبة بمكان توقعه قبل نهاية السنة المقبلة، وربما الى ابعد من ذلك.
يخشى فرنجيه من ان يفضي اخفاق انتخابه رئيساً حتى نهاية أيار الى ضياع الفرصة «علينا وعليه» (في اشارة الى الرئيس ميشال عون). بالتأكيد يرى حظوظه، في ضوء مواقف التأييده المعلنة كما المضمرة خصوصاً له، الاوفر ما يتيح وصوله الى الرئاسة ما ان يلتئم مجلس النواب بالثلثين. بيد ان مخاوفه تكمن في ان فشل المحاولة المقبلة من شأنه ان يضيف الى استحقاق الرئاسة عقبة جديدة تمنع حصوله الى امد طويل، هو ربطه بعربة الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني المقبل، مع انتخاب خلف للرئيس باراك اوباما. الا ان نهاية ولاية اوباما تكون قد انتهت فعلياً بين تموز وايلول المقبلين. ما يقتضي في حسبان نائب زغرتا انتظار الرئيس الاميركي الجديد والسياسة التي سترسمها ادارته للمنطقة، ومن ضمنها الموقف من الحرب في سوريا التي أضحت مرجعاً حقيقياً وجدياً للاستقرار السياسي في لبنان.
يتوقف ايضاً عند ملاحظات ثلاث:
1 ــ ان الاستحقاق الرئاسي اللبناني سيصبح عندئذ معلقاً ريثما تتضح رؤية الادارة الجديدة لسياستها في المنطقة.
2 ــ ان من شأن سياسة مختلفة تماماً عن تلك التي اتبعها اوباما للمنطقة، سواء برئيس خلف من حزبه او من الحزب الجمهوري، تعليق الوضع برمته فيها، مع تصعيد الخيارات العسكرية وتفاقم النزاعات في المناطق المشتعلة، كما بين الدول نفسها المتنازعة على تلك المناطق.
اذا لم يجر الانتخاب قبل نهاية ايار ستضيع الفرصة علينا وعليه
3 ــ ضرورة عجلة واشنطن وموسكو في الاشهر القليلة المتبقية من ولاية الرئيس الاميركي في انجاز التسوية السياسية للحرب السورية، قبل ان يتهاوى هذا الخيار، ويلحق بدوره بقطار الانتظار الى امد غير محدد.
ما يأمل فيه فرنجيه اقناع عون بخياره هو رئيساً للجمهورية بغية اتمام الاستحقاق، تحت شعار ان الفرصة الاستثنائية بانتخاب رئيس من فريق 8 آذار ــ وقد بات السباق محصوراً بهما فقط ــ برسم الاهدار ما لم يصر الى استدراكها.
على ان المنطق الذي يتسلح به نائب زغرتا يجعله اكثر تيقناً من اي وقت مضى بأن الكفة راجحة له لا الى حليفه السابق، وقد انقطعت كلياً بين الرجلين قنوات التواصل والحوار ووسائله. لا بل اضحيا ــ في الاستحقاق الرئاسي الآن وربما في ما بعد ــ وجهاً لوجه وعلى طرفي نقيض.
واقع الامر ان الثقة المفرطة بالنفس التي يستمد منها فرنجيه ــ وقد قطع كل آمال محتملة بتخليه عن ترشيحه ــ إصراره على مضيه في خياراته الجديدة التي توحي في الظاهر بأنه اصبح اقرب الى قوى 14 آذار منه الى قوى 8 آذار ــ تكمن في بضعة معطيات:
اولها، تيقنه من ان عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يخوضان ضده حرب الغاء حقيقية، اولى طلائعها اظهرتها نتائج انتخابات الرابطة المارونية الشهر الفائت، باقصاء مرشحه العميد المتقاعد ابراهيم جبور عن عضويتها. وهي المرة الاولى التي يُستثنى فيها فرنجيه من عضو يمثله في الرابطة بعدما اعتاد في السنوات المنصرمة، منذ اعادة بعث الروح فيها، ان يتمثل بالمرشح الذي يسميه هو. وهي حاله في انتخابات 2013 عندما سمى مرشحه واحتفظ في الرابطة بمقعده فيها. على ان حملة الالغاء التي يقودها تحالف عون وجعجع لن تتوقف عند العبرة الاولى. ما يجعل فرنجيه اكثر تمسكاً بالمواجهة، في الاستحقاق الرئاسي كما في سواه.
ثانيها، اعتقاده بأن الحظوظ المتقدمة لترشحه وانتخابه رئيساً متأتية من انسداد آفاق انتخاب غريمه رئيس تكتل التغيير والاصلاح. اضحى ترشح عون مأزقه مقدار ما هو مأزق حلفائه في قوى 8 آذار وخصوصاً حزب الله. ليس في وارد التخلي عن ترشحه، ولا حزب الله في وارد الطلب منه العدول عن هذا الترشح، ما يفضي الى ان لا انتخاب وشيكاً للرئيس في ظل المعطيات المغلقة هذه. على ان عزوف عون عن الترشح يفضي حتماً الى انتخاب فرنجيه من اليوم التالي. بغية ان يظل الخيار في فريقه، يستمر نائب زغرتا مرشحاً واثقاً من وفرة التأييد الذي يحوط به، وان اصر عون على موقفه. الا انه لا يقلل اهمية ان هذا الخيار ربما يكون في خطر.
ثالثها، حسم الرئيس سعد الحريري دعم ترشيحه الذي يعني اولاً واخيراً استمرار الفيتو السعودي على انتخاب عون رئيساً. ومقدار ما يسع الفيتو الشيعي منع اجراء الاستحقاق الرئاسي ما لم يكن عون هو الرئيس ــ وهو الثمن الذي يتكبده ترشيح فرنجيه من غير ايصاد الابواب نهائياً في وجهه ما دام حليفاً وطيداً ايضاً لحزب الله ــ فإن للفيتو السنّي دوراً مماثلاً في منع انتخاب مَن لا يؤيده هذا الفريق، ما يوصد الابواب فعلاً وعلى نحو قاطع امام عون.