IMLebanon

زعامة سياسية برتبة دينية!

ليسمح لنا غبطة البطريرك الماروني، لأن الحجة الوحيدة لتبرير زيارته لفلسطين بأنها «رعوية»، تدفعنا للتفكير بشيء من «شيزوفرنيا» سياسية وقع فيها، فالشخصية الأكثر حضوراً في السياسة اللبنانية اليوم هو البطريرك الماروني الذي جعل بكركي احد المراكز الاساسية للقرار. فالزعماء الموارنة يطلقون مواقفهم بخصوص المرحلة الحالية من ازمة النظام في حضرته. ويتحفنا غبطته اسبوعياً بعظة، يغلب فيها الخطاب السياسي على الخطاب الديني، ويقدم نفسه، كما كل رجال الدين، زعيماً سياسياً، برتبة دينية.

أما الجانب الأخطر والذي يفتح الباب لحالات اكثر تعميماً وخطورة، فيتمثل في القول إنه توجه الى فلسطين بجواز سفر غير لبناني، الامر الذي يدل على هشاشة الانتماء الوطني الذي يتجلبب به رجال الدين ويعملون بقصد او غير قصد على تعميمه على اللبنانيين.. فغبطته ومن يبرر له، يعرفون تماماً ان قسماً أساسياً من اللبنانيين، يحملون جواز سفر آخر، فهل يبرر هذا لمئات الآلاف من اللبنانيين التعامل مع الخارج، وبشكل خاص التطبيع مع العدو الاسرائيلي؟.

أما العملاء الهاربون، فنحن نعارضك غبطة البطريرك في الحلول مكان القضاء اللبناني بإعطائهم صك البراءة، بل اكثر من ذلك اعتبارهم مضطهدين ومظلومين، ولعل الرد الأبلغ جاء على لسان بعض العملاء ممن تباهوا بهويتهم الإسرائيلية بدل اللبنانية ولكن الأهم، هو ما ننتظره من الحكومة اللبنانية من رد على ما حدث، خاصة بعد أن انضم اكثر من مرشح رئاسي الى جوقة التبرير.

أما السكوت النسبي للطرف الأقوى في المقاومة، فلن نتحدث عنه اليوم، اذ أنه يؤكد ما قلناه مراراً، بأن بنيتها الطائفية والمذهبية، كانت وستبقى عائقاً امام استكمال دورها من ناحية، وأمام شمولية هذا الدور من ناحية اخرى. فهذه البنية تبقى بحكم فئويتها عاجزة عن تعميم ثقافة المقاومة على الشعب اللبناني، ما دامت عاجزة عن التعليق العلني، على زيارة كهذه ونتائجها الأخلاقية والسياسية والوطنية.

ٌ&&&

أما الجانب الطبقي المسيطر في النظام اللبناني، أي قادة النظام الاقتصادي الريعي وأصحاب الشركات العقارية والمصارف، يضاف اليهم اصحاب المدارس الخاصة ولا سيما التابعة للمرجعيات الدينية، فيتابعون معركتهم ضد حقوق المواطنين وبشكل خاص، القطاع العام، استكمالاً لمقررات باريس 3، التي تشكل رأس الحربة في مواجهة مصالح فقراء اللبنانيين وذوي الدخل المحدود.

واذا كنا قد تحدثنا سابقاً عن القضية الراهنة التي تأخذ «سلسلة الرتب والرواتب» أحد اهم مظاهرها الاصلاحية، وتشكل «هيئة التنسيق النقابية» قيادتها المبدعة، القابلة للتطور لتصبح نواة ظاهرة ديموقراطية شعبية، تملأ الفراغ القاتل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن أخطر المظاهر بعد فشل محاولات فصل الموظفين عن المعلمين وكذلك فصل العام عن الخاص.. الأخطر اليوم هو محاولة الزج، بقسم من المستفيدين من السلسلة والمستحقين لها، ونعني الجانب العسكري والأمني، وكذلك ابتزاز الفئة الأكثر حرماناً في قطاع التعليم ونعني بهم المتعاقدين بالساعة، ومحاولة زج هؤلاء لمواجهة «ورقة» الامتحانات الرسمية، التي هي في كل الحالات النقطة الأضعف و«أبغض الحلال» عند هيئة التنسيق، وذلك في محاولة يائسة لإبعاد مسؤولية القوى السياسية، داخل مجلس النواب وخارجه عن عدم اقرار السلسلة ومسؤوليتها عن تعطيل مستقبل عشرات الآلاف من تلاميذ لبنان.

وفي المقلب الآخر، تستمر حالة الفراغ الرئاسية (والتي من مهازل القدر ان اللبنانيين لا يشعرون بها، وقد لا يشعرون ايضاً حتى لو شمل الفراغ الحكومة ومجلس النواب). ويتضح اكثر عجز هذه القوى السياسية عن اتخاذ اي قرار مستقل، حتى في شأن مصيرها الخاص وليس فقط مصير البلد. والأغرب في هذا الموضوع، هو التهديد «بالإضراب» الحكومي والتشريعي الذي يصدر عن البعض، وكأن المواطن اللبناني هو المسؤول عن التعطيل والفراغ.

مرة جديدة، لا حل فيكم ومعكم، ولو فرض عبر التوازنات الخارجية تمديداً لحالة الضعف والترهل والتفتيت التي يعيشها وطننا، ولا حل إلا بمؤتمر تأسيسي، خارج أطركم وفي أتجاه معالجة أزمة تحولت بالتكرار الى ازمة كيان وطني ولم تعد فقط أزمة نظام.

(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني