يوم قاد زعيم المختارة وليد جنبلاط سيّارة «الجيب» والى جانبه العماد ميشال عون في زيارته الى الشوف كان يعرف «البيك» الى اين يُمكن ان يصلا معاً جنباً الى جنب ولم يكن عون غريباً او بعيداً عن هذا الاعتقاد. هي رحلة قصيرة في ذلك الصيف كانت لتعتبر الاولى والاخيرة في السير معاً، لم يصدق عون ان رئيس «اللقاء الديموقراطي» سوف يسير بخط مستقيم وصولا الى دارة آل جنبلاط، نظر اليه مستذكراً اقسى وأشرس المعارك التي قاداها ضد بعضهما، ولم يظن زعيم الرابية لحظة ان من يقود ذاك «الجيب» الضخم يمكن ان ينفذ عملية اصطدام او قيادة متهورة نحو الوادي فينتهي من عون تمهيداً لنقل سمير جعجع من بعده على ذات المسار!!
هو مشهد يمكن لجنبلاط ان يضعه في مؤخرة رأسه ويبدأ التعويل عليه تقول مصادر متابعة لمسار الرجلين فالمحطات بين الرجلين الزعيمين ما كانت يوماً أنيسة او محببة وبمجملها حروب ومواجهات ولا شيء يجمعهما حتى ولو جاء الجنرال بلبن العصفور لجنبلاط لما اشتهى طعامه، انه ليس ببغض او كراهية ويمكن ان تكون الصورة أبعد من ذلك او أقصر بحسب المحطات السياسية «والشعور الداخلي الجنبلاطي» بأن القوي لا يستطيع مجاراته خصوصا ان التجربة لم تستطع كسر رأس الجنرال، عرف جنبلاط هذا الأمر جيدا وعمد الى تخزينه في ذاكرته ابتداء من سوق الغرب وصولا الى التسونامي وحتى ادراج القصر الرئاسي في بعبدا.
وتقول المصادر نفسها ان الزعيمين يعرفان جيداً طريقة استعمال «اقتفاء الآثار» بالتحسس الغير ارادي ان ما جمعه الله يفرقهما معاً في السياسة، والتكتيك، والاستراتيجية، والرؤية، وتعطي هذه الاوساط توضيحاً لما سبق على خلفية حاضرة وهي امكانية وصول عون الى رئاسة الجمهورية وهذا الامر بالذات يدخل في خانة الفرضية المستبعدة من جانب جنبلاط وهو سيفرك عينيه كثيراً ويعصرهما قبل ان يستطيع بلع مشهد عون في قصر بعبدا ولن يحصل هذا الواقع سوى بصحبة العجائب.
وبرأي هذه المصادر ان مجمل ما يمكن أن يعطيه الآن جنبلاط للعماد عون هو مبدأ عدم مهاجمته اعلامياً واكثر الظن ان هذا هو سقفه العالي ذلك ان رئىساً قوياً لا يمكن بلعه في لبنان حسب المفردات التي تتم صياغتها للرئىس الجديد دون الدخول في ماهية وصفات القوة، ولهذا الأمر اسباب جنبلاطية واضحة ان كان في السياسة وتسوياتها او المصالح في الشوف وعاليه واقليم الخروب، وبالرغم من استعداد عون لتأمينها فان زعيم المختارة يفضل ان يستلمها من غيره لمعطيات عدة بحسب المصادر وهي كالآتي:
ـ الاولى: ان النائب جنبلاط كان مرتاحاً قبل الطائف وبعده في مناطقه ولم يخرب عليه هدوءه سوى اجتياح عون لجبل لبنان مرتين متتاليتين في الانتخابات النيابية وهذا ما يؤرق جنبلاط وكان مرتاحاً منه ومن غريمه جعجع في المنفى والسجن ومسألة خروج رئىس حزب القوات اللبنانية من ذاك المنفى الاجباري في وزارة الدفاع لم تقلقه يوماً فهو يعي الاحجام السياسية جيداً ومع جعجع يمكن استرضاؤه بمن يختاره جنبلاط على لائحته النيابية فيما الوضع مغاير لدى عون الذي تبدو حاجته اليه خلال هذه الاونة، ولكن جنبلاط يعي جيداً قضية مركزية لا يمكنه التخلي عنها وملخصها التالي: انا بيضة القبان وادير دفة الميزان كيفما اريد، بقي جنبلاط على هذا المنوال سنوات عدة وله كامل الحقوق في الحفاظ على هذه البيضة التي يحاول عون ليس كسرها انما تحجيمها في الوزن والحجم بفتح حواره مع الرئيس سعد الدين الحريري تحت مصطلح المصلحة الوطنية الصرفة ودون الدخول في الديون المترتبة على عون رئاسياً لصالح تيار المستقبل وهكذا بدا لجنبلاط أن الحريري مرتاح للغاية تحت العنوان نفسه وعون لا ريب انه غير منزعج.
ـ الثانية: ان الضرر الحاصل لجنبلاط من وصول رئىس مسيحي قوي ليس في محله حسب هذه المصادر التي ترى ان وصول العماد ميشال عون او غيره يجب ان يشكل عنصر اطمئنان لجنبلاط والطائفة الدرزية على حد سواء على خلفية اتساع مركب الاقليات للمزيد من «الهنود الحمر» تمهيداً لتثبيت هويتهم والانطلاق نحو الطوائف الكبرى ككتلة سياسية وشعبية كبيرة بديلاً عن الارتهان لها لأن مسألة بقاء جنبلاط في وسط الآذاريين لديها حدود ولا أحد يعرف في اي وقت تنتهي خصوصاً وان هذه الاوساط وغيرها تعي جيداً الكلام الحقيقي الذي يدور همساً في الكواليس، ان لا وجود لـ14 آذار او الثامن منه بعد اليوم مع التحولات الكبرى الحاصلة في المنطقة والتي ستتداعى حكماً على لبنان وان فرط هذه القوى قد حان موعده وبالتالي حتى لو ذهب جنبلاط نحو مسميات الممانعة والعاملين ضدها فانه لن يجد نفسه بيضة باستطاعتها استمالة الميزان باشارة من الزعيم الجنبلاطي مع العلم ان ايام «الترويكا» التي يحن لها لا يمكن ان تقود اقله في الوقت الحاضر وقياساً على ما يجري في سوريا وموقف جنبلاط منه.
ـ الثالثة: ان خوف جنبلاط في محله فيما لو اثمرت لقاءات الحريري وعون اتفاقاً بحده الادنى، وتعتبر هذه المصادر ان امكانية انزعاج الحريري من وضعية جنبلاط يمكن ان تكون قائمة مع الزعامة السنية والوطنية التي يتمتع بها رئىس تيار المستقبل على امتداد المساحة الجغرافية في الوطن وهو حسب هذه الاوساط تراوده افكار عدم استئثار جنبلاط بكلمة الحسم وفقاً للاحجام السياسية والنيابية القائمة على الساحة الداخلية وحتى الخارجية ومن هنا تستنتج هذه الاوساط عدم حصول لقاء بين الحريري وجنبلاط حتى الساعة. بموازاة احداث ضخمة تدور بين الاميركيين والايرانيين وبالتالي السعوديين وهنا تكمن خشية جنبلاط من ان يأتي الترياق من فوق ومن مكان شاهق لا يمكن تسلقه وتقع الوقيعة قبل ان يستفيق جنبلاط على عون وهو في بعبدا؟!!