لن نختصر زمن الانحلال، ولنتوقف عن ايجاد عناوين شاعرية لحركة الشعوب العربية الحالية التي تنحصر في فوضى تهجير وحقد وابادة لا انسانية تنبع من جهل عميق رافقها مدى قرون منقسماً بين ما في السماء وما على الأرض. وهذا لا يعني ان انساناً غير مساحات من الكوكب أفضل، فالعصر عصر انحلال يلي عصور انحطاط حكمت انسان الأرض الذي ما تخطى بعد مرحلة غزو الكوكب وقتل الآخر رغم زحمة الأديان والدساتير، وشرعة حقوق الانسان، وأمم متحدة، ومجلس أمن ما غيّرت كلها واقعاً أنانياً، مأسوياً، بل شكلت ستاراً لغرب يخفي انه مفترس وفريسته منتشرة فوق كل زوايا الأرض، وهو لا يدري انه فريسة صهيونية استعبدته منذ ساهم في نشوء الدولة العبرية وتوسعها.
ليس بامكاننا اختصار درب الانحلال، بل علينا عبورها خطوة خطوة، فنعرف أن الظاهرة الداعشية التي لا تمت الى العقل البشري الحضاري بصلة، انحدرت بإنسان شرقنا الأوسطي بسرعة هائلة الى انحلال بلغ بالمنطقة ما كشف حقيقة انسانها، أسير المذاهب الدينية الكثيرة مذ انطلقت من شرقين أقصى وأدنى، اعتنقها مرغماً، جاهلاً أسرار بواطنها العميقة، جاعلاً اياهاً مؤسسات مكنته من فرض سيطرة أنانية موثقة “إلهياً” على المجتمعات المؤمنة، فكان ان فككتها الأهواء البشرية الى تجمعات مذهبية متناحرة على مر العصور. ولطالما أدت حروبها سواء في آسيا أو أوروبا أو في شرقنا الأوسط الى انحلال مؤلم نختبره اليوم. فهل تضاف شحنة فهم جديد، نابعة من هذا الوجع الكبير، الى مخزون المعرفة البشرية ذات يوم؟
لا يختصر زمن الانحلال، ولن ينجلي فجر وعي بشري جديد قبل بدء صحوة القلب. فما من توازن بين عقل الانسان وقلبه، وما من مخطط لمستقبل الانسانية الا الحروب والهزائم والانتصارات، والشهادة والشهداء، والاتهام والانتقام، والخيانة والغدر، والكيد والشماتة. وحده مبدأ القوة العدائية سائد. أليس هذا ما نشاهد فوق أوطاننا العربية حيث لا رحمة ولا رحيم؟ أما عن الحب الذي تحدث السيد المسيح عن أولويته في بناء مجتمعات سلام بشرية، فنفتقده، عارفين ان الحب لا يأتي بأمر، بل يصدر عن نضج انساني يبلغه القلب على مر الأزمنة فيتفتح، وهذا ما لم يحدث في التاريخ البشري بعد، باستثناء حالات فردية قليلة كظاهرة الأم تيريزا في عصرنا الحاضر.
طويل زمن الانحلال، ولو ندخله من باب فهم عميق لهذي التجربة الوجودية الموجعة لربما استطعنا تجنب تكرارها العقيم مرة بعد مرة، ولتحررنا من قيود مكبلة وضعها أسلافنا في أزمنة غابرة وقد آن أوان كسرها اليوم.