IMLebanon

زنّار النار

الانفتاح اللبناني على الخليج ضرورة ومصلحة، لكنّ الأولويات تبدّلت وتحوّل لبنان في زمن «الربيع العربي» جنّةً مخابراتيّة خدمةً لأهداف متعددة، يصبّ بعضها في مصلحة الأمن المشترك، والبعض الآخر إلى فائض من العبء.

ُرُسِمت علامات استفهام كثيرة منذ أحداث نهر البارد، وظاهرة شاكر العبسي، إذ كشفت التحقيقات النقابَ عن المبالغ الماليّة الداعمة، والتعاون المخابراتي المؤازر، فيما كان الدعم للجيش مقتصراً على «بروباغندا» إعلاميّة، وشيء من الخردة كمساعدات.

بدأ الخيط الرفيع ينساب من تلك الواقعة المكلِفة، إذ أشارت التقارير الواردة من دول غربيّة على إمتداد الأعوام الماضيّة الى المال العربي الذي استُخدم لتنفيذ إغتيالات سياسيّة عدة، أو للإخلال بالأمن.

ومع إنطلاق «الربيع العربي»، أصبحت بيروت تحت المجهر، وتحوّلت «جنّة مخابراتية»، خصوصاً «لبعض أهل الخليج» بهدف تمويل الثورات والثوّار، والأدوار والمشاريع، والخيارات التي تُمليها لعبة المصالح الدوليّة.

استُغلّت كعاصمة انفتاح، ومساحة حرّية، وشبكة إتصالات ومواصلات، وطفرة مصرفيّة، وواجهة إعلاميّة، ومدينة «البزنس». وزاد الجاذب السوري من تفاقم الوضع، وفُتحت جبهات ثلاث لدعم المعارضة: الجبهة الإعلاميّة والتوظيفات الهائلة، والمبالغ التي أنفِقت وتُنفَق على الـ»بروباغندا» الإعلاميّة. جبهة مدّ المعارضة بالسلاح والمال والعناصر المدرّبة. والجبهة الديبلوماسيّة – المخابراتيّة، أي ما يُعرَف بـ»الشبكات العنكبوتيّة» المنتشرة لحشد المسلحين من كلّ حدبٍ وصوب.

وتشكو الدول الأوروبيّة من نفوذ المال الخليجي، وقدرة «الشبكات» التي ساهمت في تطويع كثير من مواطنيها. ورفعت «المجموعة الدولية لدعم لبنان» أصابعَ الإتّهام في وجه دول تتمتّع بـ»إمكانات هائلة» ساهمَت في مرحلة من المراحل في تفاقم ظاهرة السيارات المفخّخة والأحزمة الناسفة، ولم تقتصر الملامة على «حزب الله» في معاركه المفتوحة في سوريا، بل شملت الأصوليّات بكلّ فصائلها وتنظيماتها، بعدما تبيّنَ أنّ لها مشروعاً ومخطّطاً، وتستفيد من الدعم المخابراتي من جهة، ولكنّها تتصرَّف من جهة أخرى لتحقيق مشروع الإمارة.

وضُبِطت في الأشهر الماضية استثماراتٌ مخابراتية في صفوف النازحين: تحريض طائفي، ومذهبي، تجنيد شبّان لحمل السلاح، والعودة إلى القتال في صفوف المعارضة، وإنشاء خلايا وشبكات مدرّبة للإخلال بالأمن عند الضرورة. وعندما جرت الإنتخابات الرئاسيّة في سوريا، انكشف بعض المستور، وتبيّن للجهات الداعمة والمموّلة أنّ كلّ ما قامت به قد ذهب هباءً، ومعظم الذين دعمتهم وموَّلتهم أدلى بصوته لمصلحة النظام!

وقبل أيّام، نفّذت الأجهزة الأمنيّة مداهمات شملت بعض فنادق العاصمة، وطاولت خطأً بعض النزَلاء الأبرياء، وتركت علامات إستفهام حول موسم الإصطياف، وعودة الخليجيين الى المنتجعات السياحيّة، لكنّ ما حصل جاء على خلفيّة معلومات غربيّة مؤكّدة تفيد أنّ عناصر مخابراتيّة توغّلت في العاصمة تحت شعار السياحة والاصطياف، وهي مزوّدة «عدّة الشغل الكاملة»، وهدفها إيقاظ الخلايا النائمة في بعض المخيّمات وخارجها، واستنهاض هِممها، لنقل النزاع من العراق الى مناطق لبنانيّة حسّاسة، وصرف الأنظار عمّا يحصل في الموصل عن طريق إذكاء نار الفتنة المذهبيّة السنّية – الشيعيّة في الداخل اللبناني، وتحريك الوضع الأمني على طول الحدود اللبنانية – السوريّة، خصوصاً تلك القريبة من جبهة القلمون، أو من محور عرسال – الهرمل.

كان الاعتقاد السائد في الخليج أنّ الطفرة الإقتصاديّة لا تقوم فقط على أرقام الصادرات النفطيّة والواردات، ولا على الجنائن المعلّقة والأبراج الشاهقة، بل على التوازن الدقيق بين الضمانات والخدمات.

ضمان الخليج أنّه يقدّم خدمات للدول الكبرى عن طريق دعم الثورات والانتفاضات، وإذ فجأةً يرى نفسَه محاطاً بزنّار من نار، من العراق، الى سوريا، الى لبنان الى الأردن، حتى اليمن. وعلى الرغم من كلّ ذلك، يبقى الإنفتاح على الخليج ضرورةً، لأنّ المصلحة المشتركة تستدعي التعاون لإخماد زنّار النار.