IMLebanon

زوّار واشنطن: لا فيتو، لكنّ اسمين لا ترغب في انتخابهما

 

ببطء يتحرّك الاهتمام الدولي بالاستحقاق الرئاسي كأنه ينتظر الشغور كي يتسم بحماسة. يحضّ السفراء على انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية، ويراقبون ادوار الافرقاء دونما التدخل المباشر، او الايحاء باسم معين. لا يكتمون الخشية من الفراغ، ويأملون ان الوقت لم يفت

يتحدث عائدون من واشنطن في الايام الاخيرة، مزودين حصيلة استقوها من اتصالات اجروها بمسؤولين وموظفين كبار في وزارة الخارجية، عن مقاربتها انتخابات الرئاسة اللبنانية، خلصوا منها الى بضع ملاحظات:

أولاها، لا تريد الادارة الاميركية التدخل المباشر في الاستحقاق. لا مرشحين لديها. الا ان بينهم مَن تتمنى عدم رؤيتهم رؤساء للبنان، من غير ان تضع فيتو علنياً عليهم. بين هؤلاء مَن تعتقد بأنهم على صلة وثيقة بنظام الرئيس بشار الاسد. عدّد المسؤولون والموظفون الأميركيون هنا اسمين من غير الافصاح عنهما. لا تريد للبنان مجدداً، كما في حقب سابقة، رئيساً حليفاً لنظام تعمل على تقويضه منذ أكثر من ثلاث سنوات.

ثانيتها، لا تشجع واشنطن على تعديل الدستور سواء لتمديد ولاية الرئيس ميشال سليمان او انتخاب آخرين يتطلب وصولهم الى الرئاسة شرط التعديل. يقول المسؤولون الاميركيون انهم يدعمون المحافظة على المؤسسات الدستورية والوطنية، من رأس الهرم في رئاسة الدولة هبوطاً الى سائر الادارات الرسمية.

ثالثتها، القرار الحازم للادارة الاميركية بعدم استقبالها اي مرشح للرئاسة، او اي احد على صلة مباشرة به او جهر بدعم انتخابه. موقف لم تخرقه حتى الايام الاخيرة من المهلة الدستورية، ولا في الاشهر السابقة لها، زيارة شخصية لبنانية مرشحة للاستحقاق او تصرّفت على انها معنية به. وهي اشارة جدية توخت منها واشنطن اظهار عدم تدخلها في الانتخابات، او الايحاء باستمالة مرشح، او توجيه رسالة سلبية الى آخر تناوئه من خلال استقبال منافسه.

رابعتها، تشبّث واشنطن بموقف كرره مراراً سفيرها في بيروت دافيد هيل، هو الاصرار على اجراء الانتخابات الرئاسية في المهلة الدستورية، واعرابها في المقابل عن قلقها من ان يؤدي اخفاق مجلس النواب في ايصال خلف لسليمان الى توليد احتكاك بين الافرقاء، قد يتدرج سلبا بمرور الوقت وينتقل الى الشارع، على غرار ما رافق مرحلة ما بعد نهاية ولاية الرئيس اميل لحود وصولا الى تسوية الدوحة، على اثر النزاع المذهبي في 7 ايار 2008.

خامستها، اعتقادها بعد اعادة تقييمها تجربة وصول قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية، ان انتخابه لا يحمل الجيش معه الى السلطة، ولا يمكّنه كذلك من اضطلاعه بدوره بفاعلية. تالياً، في ضوء تجربتي انتخاب لحود وسليمان قائدي الجيش السابقين رئيسين، اظهر انتخاب كل منهما فيما بعد فقدانه التأثير في المؤسسة العسكرية، وانتقال هذا التأثير الى القائد الذي خلفهما على رأس القيادة.

في بعض دوافع تشجيع ترئيس كل منهما فيما مضى ــــ وهي ايدت انتخابهما عامي 1998 و2008 وان تكن قد تجاوزت التحفظ الى حد الرفض والغضب من تمديد ولاية لحود عام 2004 ــــ الظن بأن الجيش يبقى فعلا في إمرة الرئيس، ويسعه تحريكه بسهولة للحؤول دون اي اضطراب داخلي. سرعان ما ابرزت لها حوادث امنية في السنوات الثلاث المنصرمة، وبعضها كان مثيرا للقلق، وقوع الجيش اسير الخلافات والانقسام السياسي، أحاله عاجزا عن التدخل وفرض الامن ما خلا حالات استثنائية. ينجم عن ذلك ان قيادة الجيش تعيد ترتيب اولوياتها وتحديد دورها على نحو مستقل احيانا، وكذلك تقديرها الموقف في معزل عن رئيس الجمهورية في احيان اخرى.

سادستها، وضعت الخارجية الاميركية الاستحقاق في عهدة السفير في بيروت نظراً الى وفرة الملفات الاقليمية الساخنة بين ايدي دائرة الشرق الاوسط، تتقدم اهميتها على الملف اللبناني بما فيه انتخابات الرئاسة. ملفات تبدأ من ايران وتمر بالعراق وسوريا والخليج العربي واليمن ومصر بما لا يتيح للمسؤولين والخبراء الانصراف الى الموضوع اللبناني ومناقشته في الوقت الحاضر، فيما هم في حاجة الى المزيد من الوقت لاعادة تقييم السياسات وتحديد الخيارات، واتخاذ القرارات المناسبة في الملفات تلك، الواسعة الارتباط بالمصالح الاميركية في المنطقة. بذلك اضحى ملف لبنان يدار من بيروت ويتابع في واشنطن، خلافا للآلية التقليدية في العمل الديبلوماسي.

لعل ما لفت العائدين اللبنانيين من واشنطن ملاحظة اضافية اثارت اهتمامهم، هي ان محاوريهم الاميركيين، مسؤولين وموظفين في الخارجية، كما في مجلسي النواب والشيوخ، وجهوا سؤالا وحيداً تقريباً كانوا يطرحونه بازاء لبنان، هو حال اللاجئين السوريين على اراضيه، مركزين على الشق الانساني. الا انهم عرّجوا على الشق السياسي، ورغبتهم في الاطلاع على التداعيات السياسية والامنية في ضوء الأعداد المتزايدة غير المحسوبة منهم التي لجأت الى هذا البلد.

سابعتها، لان للبنان عنوانا واحدا في دائرة الشرق الاوسط هو المحافظة على استقراره، عُهد في المهمة الى هيل، الذي سلك منذ وصوله الى بيروت السنة الماضية اسلوبا مغايرا، ونُظر الى اسلوبه على أنه مناقض للسفيرة مورا كونيللي، بالانفتاح على الافرقاء اللبنانيين جميعا وزيارتهم باستمرار والاصغاء اليهم، بمن فيهم قوى 8 آذار باستثناء حزب الله تطبيقا للقانون الاميركي الذي يمنع الاتصال به. كان قد عُهد اليه التحرك ايضا مرتين على التوالي في شباط لدى السعودية للمساعدة على ابصار حكومة الرئيس تمام سلام النور، وفي آذار لاخراج البيان الوزاري للحكومة من مخاضه الصعب. من واشنطن اجرى هيل اتصالات متلاحقة منتصف ليل 14 آذار بالمسؤولين اللبنانيين في قصر بعبدا على هامش اجتماع حكومة سلام لانجاز البيان الوزاري. زار الرياض مجدداً في الايام الاخيرة مواكبا اخفاق مجلس النواب في انتخاب الرئيس.

لا تجد الخارجية الاميركية في دائرة الشرق الاوسط خبيراً متمرساً في الشأن اللبناني كهيل توكل اليه الملف، فيما الخبراء الآخرون مشغولون بالملفات الاخرى. في ضوء تجربة مثلثة، عرف لبنان ومسؤوليه في العقدين ونصف العقد المنصرمة، وتمرّس في تتبع احداثه عندما شغل منصب مستشار سياسي في سفارة بيروت اوائل التسعينيات، ثم نائبا للسفير بين عامي 1999 و2001 واخيرا سفيرا. خبر لبنان في الحقبة السورية ثم بعد خروجها.